المريسيع وهي غزوة بني المصطلق ، وفيها كان هبوب الريح وقول عبد الله بن أبي بن سلول : لئن رجعنا إلى المدينة وحديث الإفك. وقال علقمة بن الفغو وهو من الصحابة : إنها نزلت رخصة للرسول لأنه كان لا يعمل عملا إلا على وضوء ، ولا يكلم أحدا ولا يرد سلاما على غير ذلك ، فأعلمه الله أنّ الوضوء إنما هو عند القيام إلى الصلاة فقط دون سائر الأعمال.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما افتتح بالأمر بإيفاء العهود ، وذكر تحليلا وتحريما في المطعم والمنكح واستقصى ذلك ، وكان المطعم آكد من المنكح وقدمه عليه ، وكان النوعان من لذات الدنيا الجسمية ومهماتها للإنسان وهي معاملات دنيوية بين الناس بعضهم من بعض ، استطرد منها إلى المعاملات الأخروية التي هي بين العبد وربه سبحانه وتعالى ، ولما كان أفضل الطاعات بعد الإيمان الصلاة ، والصلاة لا تمكن إلا بالطهارة ، بدأ بالطهارة وشرائط الوضوء ، وذكر البدل عنه عند تعذر الماء. ولما كانت محاولة الصلاة في الأغلب إنما هي بقيام ، جاءت العبارة : إذا قمتم أي : إذا أردتم القيام إلى فعل الصلاة. وعبر عن إرادة القيام بالقيام ، إذ القيام متسبب عن الإرادة ، كما عبروا عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم : الأعمى لا يبصر أي لا يقدر على الإبصار ، وقوله : (نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (١) أي قادرين على الإعادة. وقوله : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) (٢) أي إذا أردت قراءة القرآن لما كان الفعل متسببا عن القدرة والإرادة أقيم المسبب مقام السبب.
وقيل : معنى قمتم إلى الصلاة ، قصدتموها ، لأنّ من توجه إلى شيء وقام إليه كان قاصدا له ، فعبر عن القصد له بالقيام إليه. وظاهر الآية يدل على أنّ الوضوء واجب على كل من قام إلى الصلاة متطهرا كان أو محدثا ، وقال به جماعة منهم : داود. وروى فعل ذلك عن عليّ وعكرمة. وقال ابن شيرين : كان الخلفاء يتوضؤون لكل صلاة. وذهب الجمهور : إلى أنه لا بد في الآية من محذوف وتقديره : إذا قمتم إلى الصلاة محدثين ، لأنه لا يجب الوضوء إلا على المحدث ، ويدل على هذا المحذوف مقابلته بقوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (٣) وكأنه قيل : إن كنتم محدثين الحدث الأصغر فاغسلوا هذه الأعضاء ، وامسحوا هذين العضوين. وإن كنتم محدثين الحدث الأكبر فاغسلوا جميع الجسد. وقال قوم منهم : السدي ، وزيد بن أسلم : إذا قمتم من المضاجع يعنون النوم. وقالوا : في الكلام تقديم وتأخير أي : إذا قمتم إلى الصلاة من النوم ، أو جاء أحد منكم من الغائط ، أو لا مستم النساء
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ١٠٤.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ٩٨.
(٣) سورة المائدة : ٥ / ٦.