ويفيدها الرفع ، وهل هذا إلا من التعليل بالوصف المترتب عليه الحكم؟ فلا فرق في ذلك بين الرفع والنصب لو قلت : السارق ليقطع ، أو اقطع السارق ، لم يكن بينهما فرق من حيث التعليل. وكذلك الزاني ليجلد ، أو اجلد الزاني. ثم قوله : إن هذا المعنى متأكد بقوله : جزاء بما كسبا ، والنصب أيضا يحسن أن يؤكد بمثل هذا ، لو قلت : اقطع اللص جزاء بما كسب صح.
وقال الفخر الرازي : الخامس : يعني من وجوه فساد قول سيبويه ، أن سيبويه قال : وهم يقدمون الأهم فالأهم. والذي هم ببيانه أعني : فالقراءة بالرفع تقتضي ذكر كونه سارقا على ذكر وجوب القطع ، وهذا يقتضي أن يكون أكثر العناية مصروفا إلى شرح ما يتعلق بحال السارق من حيث أنه سارق ، وأمّا القراءة بالنصب فإنها تقتضي أن تكون العناية ببيان القطع أتم من العناية بكونه سارقا. ومعلوم أنه ليس كذلك ، فإن المقصود في هذه الآية بيان تقبيح السرقة والمبالغة في الزجر عنها ، فثبت أنّ القراءة بالرفع هي المتعينة قطعا. (قلت) : الذي ذكر فيه سيبويه أنهم كانوا يقدمون الذي بيانه أهم لهم ، وهم ببيانه أعني هو ما اختلفت فيه نسبة الإسناد كالفاعل والمفعول. قال سيبويه : فإن قدمت المفعول وأخرت الفاعل جرى اللفظ كما جرى في الأول يعني : في ضرب عبد الله زيدا قال : وذلك ضرب زيدا عبد الله ، لأنك إنما أردت به مؤخرا ما أردت به مقدما ، ولم ترد أن تشغل الفعل بأول منه وإن كان مؤخرا في اللفظ ، فمن ثم كان حد اللفظ أن يكون فيه مقدما ، وهو عربي جيد كثير كأنهم يقدمون الذي بيانه لهم أهم ، وهم ببيانه أعني : وإن كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم انتهى.
والرازي حرف كلام سيبويه وأخذه حيث لا يتصور اختلاف نسبه وهو المبتدأ والخبر ، فإنه ليس فيه إلا نسبة واحدة بخلاف الفاعل والمفعول ، لأن المخاطب قد يكون له غرض في ذكر من صدر منه الضرب فيقدم الفاعل ، أو في ذكر من حل به الضرب فيقدم المفعول ، لأن نسبة الضرب مختلفة بالنظر إليهما. وأما الآية فهي من باب ما النسبة فيه لا تختلف ، إنما هي الحكم على السارق بقطع يده. وما ذكره الرازي لا يتفرع على كلام سيبويه بوجه ، والعجب من هذا الرجل وتجاسره على العلوم حتى صنف في النحو كتابا سماه المحرر ، وسلك فيه طريقة غريبة بعيدة من مصطلح أهل النحو ومن مقاصدهم ، وهو كتاب لطيف محتو على بعض أبواب العربية ، وقد سمعت شيخنا أبا جعفر بن الزبير يذكر هذا التصنيف