منهم في المقت والمذمّة ، ومن تولاهم في المعتقد فهو منهم في الكفر. وقد استدل بهذا ابن عباس وغيره على جواز أكل ذبائح نصارى العرب ، وقال : من دخل في دين قوم فهو منهم. وسئل ابن سيرين عن رجل يبيع داره لنصراني ليتخذها كنيسة : فتلا هذه الآية. وفي الحديث : «لا تراءى ناراهما» وقال عمر لأبي موسى في كاتبه النصراني : لا تكرموهم إذ أهانهم الله ، ولا تأمنوهم إذ خوّنهم الله ، ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله تعالى. وقال له أبو موسى لا قوام للصرة إلا به ، فقال عمر : مات النصراني والسّلام.
(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ظاهره العموم والمعنى على الخصوص ، أي : من سبق في علم الله أنه لا يهتدي. قال ابن عطية : أو يراد التخصيص مدة الظلم والتلبس بفعله ، فإن الظلم لا هدى فيه ، والظالم من حيث هو ظالم ليس بمهتد في ظلمه. وقال أبو العالية : الظالم من أبى أن يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وقال ابن إسحاق : أراد المنافقين. وقيل : الظالم هو الذي وضع الولاية في غير موضعها. وقال الزمخشري قريبا من هذا ، قال : يعني الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفر يمنعهم الله ألطافه ، ويخذلهم مقتا لهم انتهى. وهو على طريقة الاعتزال.
(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) الخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم ، والذين في قلوبهم مرض عبد الله بن أبيّ ومن تبعه من المنافقين ، أو من مؤمني الخزرج متابعة جهالة وعصبية ، فهذا الصنف له حصة من مرض القلب قاله ابن عطية. ومعنى يسارعون فيهم : أي في موالاتهم ويرغبون فيها. وتقدّم الكلام في المرض في أول البقرة.
وقرأ ابراهيم بن وثاب : فيرى بالياء من تحت ، والفاعل ضمير يعود على الله ، أو الرأي. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون الذين فاعل ترى ، والمعنى : أن يسارعوا ، فحذفت أن إيجازا انتهى. وهذا ضعيف لأنّ حذف أن من نحو هذا لا ينقاس. وقرأ قتادة والأعمش : يسرعون بغير ألف من أسرع ، وفترى أن كانت من رؤية العين كان يسارعون حالا ، أو من رؤية القلب ففي موضع المفعول الثاني ، يقولون : نخشى أن تصيبنا دائرة ، هذا محفوظ من قول عبد الله بن أبيّ ، وقاله معه منافقون كثيرون. قال ابن عباس : معناه نخشى أن لا يتم أمر محمد فيدور الأمر علينا. وقيل : الدائرة من جدب وقحط. ولا يميروننا ولا يقرضوننا. وقيل : دائرة تحوج إلى يهود وإلى معونتهم.