بالإلزام ، ولم يجعل خبرا ، وجعل خبر الجملة التي هي ساء ما يعملون ، لأن الخبر ليس من شأنه اللزوم ، فهم بصدد أن يسلم ناس منهم فيزول عنهم الإخبار بمضمون هذه الجملة ، واختار الزمخشري في ساء أن تكون التي لا تنصرف ، فإن فيه التعجب كأنه قيل : ما أسوأ عملهم! ولم يذكر غير هذا الوجه. واختار ابن عطية أن تكون المتصرفة تقول : ساء الأمر يسوء ، وأجاز أن تكون غير المتصرفة فتستعمل استعمال نعم وبئس كقوله : ساء مثلا. فالمتصرفة تحتاج إلى تقدير مفعول أي ساء ما كانوا يعملون بالمؤمنين ، وغير المتصرفة تحتاج إلى تمييز أي : ساء عملا ما كانوا يعملون.
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) هذا نداء بالصفة الشريفة التي هي أشرف أوصاف الجنس الإنساني ، وأمر بتبليغ ما أنزل إليه وهو صلىاللهعليهوسلم قد بلغ ما أنزل إليه ، فهو أمر بالديمومة. قال الزمخشري : جميع ما أنزل إليك ، وأي شيء أنزل غير مراقب في تبليغه أحدا ولا خائف أن ينالك مكروه. وقال ابن عطية : أمر من الله لرسوله بالتبليغ على الاستيفاء والكمال ، لأنه قد قال : بلغ ، فإنما أمر في هذه الآية أن لا يتوقف على شيء مخافة أحد ، وذلك أنّ رسالته عليهالسلام تضمنت الطعن على أنواع الكفرة وفساد أحوالهم ، فكان يلقى منهم عنتا ، وربما خافهم أحيانا قبل نزول هذه الآية. وعن ابن عباس عنه عليهالسلام : «لما بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعا وعرفت أن من الناس من يكذبني فأنزل الله هذه الآية». وقيل : هو أمر بتبليغ خاص أي : ما أنزل إليك من الرجم والقصاص الذي غيره اليهود في التوراة والنصارى في الإنجيل. وقيل : أمر بتبليغ أمر زينب بنت جحش ونكاحها. وقيل : بتبليغ الجهاد والحث عليه ، وأن لا يتركه لأجل أحد. وقيل : أمر بتبليغ معائب آلهتهم ، إذ كان قد سكت عند نزول قوله : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) (١) الآية عن عيبها وكل واحد من هذا التبليغ الخاص. قيل : أنها نزلت بسببه ، والذي يظهر أنه تعالى أمنه من مكر اليهود والنصارى ، وأمره بتبليغ ما أنزل إليه في أمرهم وغيره من غير مبالاة بأحد ، لأن الكلام قبل هذه الآية وبعدها هو معهم ، فيبعد أن تكون هذه الآية أجنبية عما قبلها وعما بعدها.
(وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) أي وإن لم تفعل بتبليغ ما أنزل إليك ، وظاهر هذا الجواب لا ينافي الشرط ، إذ صار المعنى : وإن لم تفعل لم تفعل ، والجواب لا بد أن يغاير
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٠٨.