الآن كذلك كل منهم خائف في قومه ، متربص أن يصل إليكم ، فلم يصلح إذا وصل أن تقتلوه حتى تتبينوا أمره.
قال أبو عبد الله الرازي : وهذا فيه إشكال ، لأنّ إخفاء الإيمان ما كان عاما فيهم انتهى. ولا إشكال فيه ، لأن المسلمين كانوا أول الإسلام يحبون دينهم ، فالتشبيه وقع بتلك الحال الأولى ، وعلى تقدير تسليم أنّ إخفاء الإيمان ما كان عاما فيهم ، لا إشكال أيضا لأنه ينسب إلى الجملة ما وجد من بعضهم. وقال ابن زيد : كذلك كنتم كفرة فمنّ الله عليكم بأن أسلمتم ، فلا تنكروا أن يكون هو كافرا ثم يسلم لحينه حين لقيكم ، فيجب أن يتثبت في أمره ، وقال الأكثرون : المعنى أنكم قبل الهجرة حين كنتم فيما بين الكفار تؤمنون بكلمة لا إله إلا الله ، فاقبلوا منهم ذلك. وقال أبو عبد الله الرازي : فيه إشكال لأنّ لهم أن يقولوا ما كان إيماننا مثل إيمانهم ، لأنا آمنا اختيارا ، وهؤلاء أظهروا الإيمان تحت ظلال السيوف انتهى. ولا إشكال في ذلك ، لأنه لا يلزم أن يكون التشبيه من كل الوجوه إذ كان يكون المشبه هو المشبه به ، وذلك محال ، ولا من معظم الوجوه. والتشبيه هنا وقع في بعض الوجوه ، وهو : أن الدخول في الإسلام هو كان بكلمة الشهادة ، وقد حسن الزمخشري هذا القول وطوله جدا. فقال : أول ما دخلتم في الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة ، فحصنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم ، فمنّ الله عليكم بالاستقامة والاشتهار بالإيمان والتقدم ، وإن صرتم أعلاما فيه فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل بكم ، وأن تعتبروا ظاهر الإسلام في الكافة ، ولا تقولوا إن تهليل هذا لاتقاء القتل ، لا لصدق النية ، فتجعلوه سلما إلى استباحة دمه وماله ، وقد حرمهما الله تعالى انتهى.
قال أبو عبد الله الرازي : والأقرب عندي أن يقال : إنّ من ينتقل عن دين إلى دين ، ففي أول الأمر يحدث له ميل بسبب ضعيف ، ثم لا يزال ذلك الميل يتأكد ويتقوى إلى أن يكمل ويستحكم ويحصل الانتقال ، فكأنه قيل لهم : كنتم في أول الإسلام إنما حدث فيكم ميل ضعيف بأسباب ضعيفة إلى الإسلام ، ثم منّ الله عليكم بتقوية ذلك الميل وتأكيد النفرة عن الكفر ، فكذلك هؤلاء لما حدث فيهم ميل ضعيف إلى الإسلام بسبب هذا الخوف فاقبلوا منهم هذا الإيمان ، فإنّ الله يؤكد حلاوة الإيمان في قلوبهم ، ويقوي تلك الرغبة في صدورهم انتهى كلامه. وليس كل من آمن من الصحابة كان ميله أولا إلى الإسلام ميلا ضعيفا ثم يقوى ، بل من الصحابة من استبصر بأول وهلة دعاء الرسول ، أو رأى الرسول صلىاللهعليهوسلم