كأبي بكر وأبي ذر وعبد الله بن سلام وأمثالهم ممن كان مستبصرا منتظرا. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المعنى إشارة بذلك إلى القتل قبل التثبت ، أي على هذه الحال في جاهليتكم لا تثبتون ، حتى جاء الإسلام ومنّ الله عليكم انتهى. والظاهر أنّ قوله : فمنّ الله عليكم ، هو من تمام كذلك كنتم من قبل. وقيل : من تمام تبتغون عرض الحياة الدنيا وما قبله ، فالمعنى : منّ عليكم بأن قبل توبتكم عن ذلك الفعل المنكر قاله : أبو عبد الله الرازي ، فتبينوا : تقدّم أنه قرئ فتثبتوا ، ويحتمل أن يكون هذا تأكيدا للأول ، ويحتمل أن يكون فتبينوا في قراءة من جعله من التبين ، أن لا يكون تأكيد الاختلاف متعلق التبين. فالمعنى في الأول : فتبينوا أمر من تقدمون على قتله ، وفي الثاني : فتبينوا نعمة الله عليكم بالإسلام.
(إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) أي خبيرا بنياتكم وطلباتكم ، فكونوا محتاطين فيما تقصدونه ، متوخين أمر الله تعالى. وهذا فيه تحذير ، فاحفظوا أنفسكم من موارد الزلل. وقرأ الجمهور : إنّ بكسر الهمزة على الاستئناف ، وقرئ بفتحها على أن تكون معمولة لقوله : (فَتَبَيَّنُوا) (١).
(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) قال أبو سليمان الدمشقي : نزلت من أجل قوم كانوا إذا حضرت غزاة يستأذنون في القعود والتخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وأما غير أولي الضرر فسببها قول ابن أم مكتوم : كيف من لا يستطيع الجهاد؟.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما رغب المؤمنين في القتال في سبيل الله أعداء الله الكفار ، واستطرد من ذلك إلى قتل المؤمن خطأ وعمدا بغير تأويل وبتأويل ، فنهى أن يقدم على قتله بتأويل أمر يحمله على الإسلام إذا كان ظاهره يدل على ذلك ، ذكر بيان فضل المجاهد على القاعد ، وبيان تفاوتهما ، وأن ذلك لا يمنع منه كون الجهاد ، مظنة أن يصيب المجاهد مؤمنا خطأ ، أو من يلقي السلم فيقتله بتأويل فيتقاعسن عن الجهاد لهذه الشبهة ، فأتى عقيب ذلك بفضل الجهاد وفوزه بما ذكر في الآية من الدرجات والمغفرة والرحمة والأجر العظيم ، دفعا لهذه الشبهة.
ويستوي هنا من الأفعال التي لا تكتفي بفاعل واحد ، وإثباته لا يدل على عموم
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٩٤.