منهج السالك من تأليفنا ، ولا جائز أن يكون حالا من ضمير الفاعل في (عَرَفُوا) لأنها تكون قيدا في العرفان وهم قد عرفوا الحق في هذه الحال وفي غيرها ، فالأولى أن تكون مستأنفة ، أخبر تعالى عنهم بأنهم التبسوا بهذا القول ، والمعنى أنهم عرفوا الحق بقلوبهم ونطقت به وأقرت ألسنتهم.
(وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِ) هذا إنكار واستبعاد لانتفاء الإيمان منهم مع قيام موجبه وهو عرفان الحق. قال الزمخشري والتبريزي : وموجب الإيمان هو الطمع في دخولهم مع الصالحين ، والظاهر أن قولهم ذلك هو الظاهر لأنفسهم على سبيل المكالمة معها لدفع الوساوس والهواجس ، إذ فراق طريقة وسلوك أخرى لم ينشأ عليها مما يصعب ويشق ، أو قول بعض من آمن لبعض على سبيل التثبت أيضا ، أو قولهم ذلك على سبيل المحاجة لمن عارضهم من الكفار ، لما رجعوا إليهم ولا موهم على الإيمان أي ، وما يصدنا عن الإيمان بالله وحده. وقد لاح لنا الصواب وظهر الحق النير.
وروي عن ابن عباس أن اليهود أنكروا عليهم ولا موهم فأجابوهم بذلك و (لا نُؤْمِنُ) في موضع الحال ، وهي المقصودة وفي ذكرها فائدة الكلام ، وذلك كما تقول : جاء زيد راكبا جوابا لمن قال : هل جاء زيد ماشيا أو راكبا؟ والعامل فيها هو متعلق به الجار والمجرور ، أي : أي شيء يستقرّ لنا ويجعل في انتفاء الإيمان عنا ، وفي مصحف عبد الله وما لنا لا نؤمن بالله وما أنزل علينا ربنا ونطمع وينبغي أن يحمل ذلك على تفسير قوله تعالى (وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِ) لمخالفته ما أجمع عليه المسلمون من سواد المصحف.
(وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) الأحسن والأسهل أن يكون استئناف إخبار منهم بأنهم طامعون في إنعام الله عليهم بدخولهم مع الصالحين ، فالواو عاطفة جملة على جملة ، و (ما لَنا لا نُؤْمِنُ لا) عاطفة على نؤمن أو على (لا نُؤْمِنُ) ولا على أن تكون الواو واو الحال ولم يذكر ابن عطية غير هذا الوجه.
وقال الزمخشري : والواو في (وَنَطْمَعُ) واو الحال ، والعامل في الحال معنى الفعل العامل في لا نؤمن ، ولكن مقيدا بالحال الأولى لأنك لو أزلتها وقلت : وما لنا نطمع لم يكن كلاما ، انتهى.
وما ذكره من أن الحالين العامل فيهما واحد وهو ما في اللام من معنى الفعل ، كأنه قيل : أي شيء حصل لنا غير مؤمنين طامعين ليس بجيد ، لأن الأصح أنه لا يجوز أن يقضي