المساواة ، وكذلك نفيه. وإنما عنى نفي المساواة في الفضل ، وفي ذلك إبهام على السامع ، وهو أبلغ من تحرير المنزلة التي بين القاعد والمجاهد. فالمتأمل يبقى مع فكره ، ولا يزال يتخيل الدرجات بينهما ، والقاعد هو المتخلف عن الجهاد ، وعبر عن ذلك بالقعود ، لأن القعود هيئة من لا يتحرك إلى الأمر المقعود عنه في الأغلب. وأولوا الضرر هم من لا يقدر على الجهاد لعمى ، أو مرض ، أو عرج ، أو فقد أهبة. والمعنى : لا يستوي القاعدون القادرون على الغزو والمجاهدون. وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة : غير برفع الراء. ونافع ، وابن عامر ، والكسائي : بالنصب ، ورويا عن عاصم. وقرأ الأعمش وأبو حيوة : بكسرها. فأما قراءة الرفع فوجهها الأكثرون على الصفة ، وهو قول سيبويه ، كما هي عنده صفة في (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) (١) ومثله قول لبيد :
وإذا جوزيت قرضا فاجزه |
|
إنما يجزي الفتى غير الجمل |
كذا ذكره أبو عليّ ، ويروى : ليس الجمل. وأجاز بعض النحويين فيه البدل. قيل : وهو إعراب ظاهر ، لأنه جاء بعد نفي ، وهو أولى من الصفة لوجهين : أحدهما : أنهم نصوا على أنّ الأفصح في النفي البدل ، ثم النصب على الاستثناء ، ثم الوصف في رتبة ثالثة. الثاني : أنه قد تقرر أنّ غيرا نكرة في أصل الوضع وإن أضيفت إلى معرفة هذا ، هو المشهور ، ومذهب سيبويه. وإن كانت قد تتعرف في بعض المواضع ، فجعلها هنا صفة يخرجها عن أصل وضعها إما باعتقاد التعريف فيها ، وإما باعتقاد أنّ القاعدين لما لم يكونوا ناسا معينين ، كانت الألف واللام فيه جنسية ، فأجرى مجرى النكرات حتى وصف بالنكرة ، وهذا كله ضعيف. وأما قراءة النصب فهي على الاستثناء من القاعدين. وقيل : استثناء من المؤمنين ، والأول أظهر لأنه المحدث عنه. وقيل : انتصب على الحال من القاعدين. وأما قراءة الجر فعلى الصفة للمؤمنين ، كتخريج من خرج غير المغضوب عليهم على الصفة من (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (٢) ومن المؤمنين في موضع الحال من قوله : القاعدون. أي : كائنين من المؤمنين.
واختلفوا : هل أولوا الضرر يساوون المجاهدين أم لا؟ فإن اعتبرنا مفهوم الصفة ، أو قلنا بالأرجح من أنّ الاستثناء من النفي إثبات ، لزمت المساواة. وقال ابن عطية : وهذا مردود ، لأن أولي الضرر لا يساوون المجاهدين ، وغايتهم إن خرجوا من التوبيخ والمذمة
__________________
(١) سورة الفاتحة : ١ / ٧.
(٢) سورة الفاتحة : ١ / ٦.