غفل وكانوا يعظمونها ومنها ما يكون عند الكهان ومنها ما يكون عند قريش في الكعبة وكان فيها أحكام لهم ، ومن هذا القبيل الزجر بالطير وبالوحش وبأخذ الفأل في الكتب ، ونحوه مما يصنعه الناس اليوم وقد اجتمعت أنواع من التأكيد في الآية منها التصدير بإنما وقران الخمر والميسر بالأصنام إذا فسرنا الأنصاب بها وفي الحديث «مدمن الخمر كعابد وثن» والإخبار عنها بقوله رجس وقال تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (١) ووصفه بأنه من عمل الشيطان والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت ، والأمر بالاجتناب وترجية الفلاح وهو الفوز باجتنابه فالخيبة في ارتكابه ، وبدئ بالخمر لأن سبب النزول إنما وقع بها من الفساد ولأنها جماع الإثم.
وكانت خمر المدينة حين نزولها الغالب عليها كونها من العسل ومن التمر ومن الزبيب ومن الحنطة ومن الشعير وكانت قليلة من العنب ، وقد أجمع المسلمون على تحريم القليل والكثير من خمر العنب التي لم تمسها نار ولا خالطها شيء والأكثر من الأمة على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام ، والخلاف فيما لا يسكر قليله ويسكر كثيره من غير خمر العنب مذكور في كتب الفقه ، قال ابن عطية : وقد خرّج قوم تحريم الخمر من وصفها برجس ، وقد وصف تعالى في آية أخرى الميتة والدم ولحم الخنزير بأنها رجس فيجيء من ذلك أن كل رجس حرام وفي هذا نظر والاجتناب أن تجعل الشيء جانبا وناحية انتهى.
ولما كان الشيطان هو الداعي إلى التلبس بهذه المعاصي ، والمغري بها جعلت من عمله وفعله ونسبت إليه على جهة المجاز والمبالغة في كمال تقبيحه كما جاء (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) (٢) والضمير في (فَاجْتَنِبُوهُ) عائد على الرجس المخبر عنه من الأربعة فكان الأمر باجتنابه متناولا لها ، وقال الزمخشري (فإن قلت) إلام يرجع الضمير في قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) (قلت) إلى المضاف المحذوف كأنه قيل إنما شأن الخمر والميسر أو تعاطيهما أو ما أشبه ذلك ولذلك قال رجس من عمل الشيطان انتهى ، ولا حاجة إلى تقدير هذا المضاف بل الحكم على هذه الأربعة أنفسها أنها رجس أبلغ من تقدير ذلك المضاف لقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (٣).
(إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ذكر تعالى في الخمر والميسر مفسدتين
__________________
(١) سورة الحج : ٢٢ / ٣٠.
(٢) سورة القصص : ١٥ / ٢٨.
(٣) سورة التوبة : ٢٨ / ٩.