و (السَّماءَ) السماء المظلة قالوا : لأن المطر ينزل منها إلى السحاب ، ويكون على حذف مضاف أي مطر (السَّماءَ) ويكون (مِدْراراً) حالا من ذلك المضاف المحذوف. وقيل : (السَّماءَ) المطر وفي الحديث : «في أثر سماء كانت من الليل» ، وتقول العرب : ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم ، يريدون المطر وقال الشاعر :
إذا نزل السماء بأرض قوم |
|
رغيناه وإن كانوا غضبانا |
و (مِدْراراً) على هذا حال من نفس (السَّماءَ). وقيل : (السَّماءَ) هنا السحاب ويوصف بالمدرار ، فمدرارا حال منه و (مِدْراراً) يوصف به المذكر والمؤنث وهو للمبالغة في اتصال المطر ودوامة وقت الحاجة ، لا إنها ترفع ليلا ونهارا فتفسد قاله ابن الأنباري. ولأن هذه الأوصاف إنما ذكرت لتعديد النعم عليهم ومقابلتها بالعصيان ، (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) تقدّم ذكر كيفية جريان الأنهار من التحت في أوائل البقرة. وقد أعرب من فسر (الْأَنْهارَ) هنا بالخيل كما قيل في قوله : (وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) (١) وإذا كان الفرس سريع العدو واسع الخطو وصف بالبحر وبالنهر ، والمعنى أنه تعالى مكنهم التمكين البالغ ووسع عليهم الرزق فذكر سببه وهو تتابع الأمطار على قدر حاجاتهم وإمساك الأرض ذلك الماء ، حتى صارت الأنهار تجري من تحتهم فكثر الخصب فأذنبوا فأهلكوا بذنوبهم ، والظاهر أن الذنوب هنا هي كفرهم وتكذيبهم برسل الله وآياته ، والإهلاك هنا لا يراد به مجرد الإفناء والإماتة بل المراد الإهلاك الناشئ عن الذنوب والأخذ به كقوله تعالى : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) (٢) ، لأن الإهلاك بمعنى الإماتة مشترك فيه الصالح والطالح ، وفائدة ذكر إنشاء قرن (آخَرِينَ) بعدهم ، إظهار القدرة التامّة على إفناء ناس وإنشاء ناس فهو تعالى لا يتعاظمه أن يهلك (قَرْناً) ويخرب بلاده وينشئ مكانه آخر يعمر بلاده وفيه تعريض للمخاطبين ، بإهلاكهم إذا عصوا كما أهلك من قبلهم ووصف قرنا ب (آخَرِينَ) وهو جمع حملا على معنى قرن ، وكان الحمل على المعنى أفصح لأنها فاصلة رأس آية.
(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) سبب نزولها اقتراح عبد الله بن أبي أمية وتعنته إذ قال للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : لا أؤمن لك حتى تصعد إلى السماء ، ثم نزل بكتاب فيه من ربّ العزة إلى عبد الله بن أبي أمية يأمرني
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ٥١.
(٢) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٤٠.