(وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) على بناء الأول للمفعول والثاني للفاعل والضمير لغير الله ، وقرأ الأشهب : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) على بنائهما للفاعل وفسر بأن معناه وهو يطعم ولا يستطعم ، وحكى الأزهري أطعمت بمعنى استطعمت. قال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى وهو يطعم تارة ولا يطعم أخرى على حسب المصالح ، كقولك هو يعطي ويمنع ويبسط ويقدر ويغني ويفقر ، وفي قراءة من قرأ باختلاف الفعلين تجنيس التشكيل وهو أن يكون الشكل فرقا بين الكلمتين وسماه أسامة بن منقذ في بديعته تجنيس التحريف ، وهو بتجنيس التشكيل أولى.
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) قال الزمخشري : لأن النبيّ سابق أمته في الإسلام كقوله (وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (١) وكقول موسى (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) قال ابن عطية : المعنى أوّل من أسلم من هذه الأمّة وبهذه الشريعة ، ولا يتضمن الكلام إلا ذلك وهذا الذي قاله الزمخشري وابن عطية هو قول الحسن. قال الحسن : معناه أول من أسلم من أمتي. قيل : وفي هذا القول نظر لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يصدر منه امتناع عن الحق وعدم انقياد إليه ، وإنما هذا على طريق التعريض على الإسلام كما يأمر الملك رعيته بأمر ثم يتبعه بقوله أنا أول من يفعل ذلك ليحملهم على فعل ذلك. وقيل : أراد الأوّلية في الرتبة والفضيلة كما جاء نحن الآخرون الأوّلون وفي رواية السابقون. وقيل : (أَسْلَمَ) أخلص ولم يعدل بالله شيئا. وقيل : استسلم. وقيل : أراد دخوله في دين إبراهيم عليهالسلام كقوله : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) (٣). وقيل : أول من أسلم يوم الميثاق فيكون سابقا على الخلق كلهم ، كما قال : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) (٤).
(وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي وقيل لي والمعنى أنه أمر بالإسلام ونهى عن الشرك ، هكذا خرجه الزمخشري وابن عطية على إضمار. وقيل لي : لأنه لا ينتظم عطفه على لفظ (إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) فيكون مندرجا تحت لفظ (قُلْ) إذ لو كان كذلك لكان التركيب ولا أكون من المشركين. وقيل : هو معطوف على معمول (قُلْ) حملا على المعنى ، والمعنى قل إني قيل لي كن أول من أسلم ، (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فهما جميعا محمولان على القول لكن أتى الأول بغير لفظ القول ، وفيه معناه فحمل الثاني على المعنى وقيل هو معطوف على (قُلْ) أمر بأن يقول كذا ونهى عن كذا. وقيل : هو نهي عن موالاة المشركين. وقيل :
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٦٣.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٤٣.
(٣) سورة الحج : ٢٢ / ٧٨.
(٤) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٧.