وليس هذا بنسخ ، إنما فيه عدم اعتبار مفهوم الشرط ، وهو كثير في كلام العرب. ومنه قول الشاعر :
عزيز إذا حلّ الخليقان حوله |
|
بذي لحب لجأته وضواهله |
وفي قراءة أبيّ وعبد الله : أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم ، بإسقاط إن خفتم ، وهو مفعول من أجله من حيث المعنى أي : مخافة أن يفتنكم. وأصل الفتنة الاختبار بالشدائد.
(إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) عدو : وصف يوصف به الواحد والجمع. قال : هم العدو ، ومعنى مبينا : أي مظهرا للعداوة ، بحيث أنّ عداوته ليست مستورة ، ولا هو يخفيها ، فمتى قدر على أذية فعلها.
(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) استدل بظاهر الخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم من لا يرى صلاة الخوف بعد الرسول حيث شرط كونه فيهم ، وكونه هو المقيم لهم الصلاة. وهو مذهب : ابن علية ، وأبي يوسف. لأن الصلاة بإمامته لا عوض عنها ، وغيره من العوض ، فيصلي الناس بإمامين طائفة بعد طائفة. وقال الجمهور : الخطاب له يتناول الأمراء بعده ، والضمير في : فيهم ، عائد على الخائفين. وقيل : على الضاربين في الأرض. والظاهر أنّ صلاة الخوف لا تكون إلا في السفر ، ولا تكون في الحضر ، وإن كان خوف. وذهب إليه قوم. وذهب الجمهور إلى أنّ الحضر إذا كان خوف كالسفر.
ومعنى : فأقمت لهم الصلاة ، أقمت حدودها وهيآتها. والذي يظهر أنّ المعنى فأقمت بهم. وعبر بالإقامة إذ هي فرض على المصلي في قول : عن ذلك. ومعنى : فلتقم هو من القيام ، وهو الوقوف. وقيل : فلتقم بأمر صلاتها حتى تقع على وفق صلاتك ، من قام بالأمر اهتم به وجعله شغله. والظاهر أنّ الضمير في : وليأخذوا أسلحتهم عائد على طائفة لقربها من الضمير ، ولكونها لها فيما بعدها في قوله : فإذا سجدوا. وقيل : إن الضمير عائد على غيرهم ، وهي الطائفة الحارسة التي لم تصل. وقال النحاس : يجوز أن يكون للجميع ، لأنه أهيب للعدو : فإذا سجدوا أي : هذه الطائفة. ومعنى سجدوا : صلوا. وفيه دليل على أنّ السجود قد يعبر به عن الصلاة ، ومنه : «إذا جاء أحدكم المسجد فليسجد سجدتين» أي فليصل ركعتين.