الحجة ، فإنّ ما فيهم من الألم مشترك ، وتزيدون عليهم أنكم ترجون من الله الثواب وإظهار دينه بوعده الصادق ، وهم لا يرجونه ، فينبغي أن تكونوا أشجع منهم وأبعد عن الجبن. وإذا كانوا يصبرون على الآلام والجراحات والقتل ، وهم لا يرجون ثوابا في الآخرة ، فأنتم أحرى أن تصبروا. ونظير ذكر هذا الأمر المشترك فيه قول الشاعر :
قاتلوا القوم يا خداع ولا |
|
يأخذكم من قتالهم قتل |
القوم أمثالكم لهم شعر |
|
في الرأس لا ينشرون أن قتلوا |
والرجاء هنا على بابه ، وقيل : معناه الخوف الذي تخافون من عذاب الله ما لا تخافون كقوله : إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ، أي : لم يخف. وزعم الفراء أنّ الرجاء لا يكون بمعنى الخوف إلا مع النفي ، ولا يقال رجوتك بمعنى خفتك. وقرأ الأعرج : أن تكونوا بفتح الهمزة على المفعول من أجله. وقرأ ابن السميفع : تئلمون بكسر التاء. وقرأ ابن وثاب ومنصور بن المعتمر : تئلمون بكسر تاء المضارعة فيهما ويائهما ، وهي لغة.
(وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) أي عليما بنياتكم حكيما فيما يأمركم به وينهاكم عنه.
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) طوّل المفسرون في سبب النزول ، ولخصنا منه انتهاء ما في قول قتادة وغيره. نزلت في طعمة بن أبيرق ، سرق درعا في جرب فيه دقيق لقتادة بن النعمان وخبأها عند يهودي ، فحلف طعمة ما لي بها علم ، فاتبعوا أثر الدقيق إلى دار اليهودي ، فقال اليهودي : دفعها إليّ طعمة. وقيل : استودع يهودي درعا فخانه ، فلما خاف اطلاعهم عليها ألقاها في دار أبي مليك الأنصاري. قال السدي : وقيل : السلاح والطعام كان لرفاعة بن زيد عم قتادة ، وأن بني أبيرق نقبوا مشربيته وأخذوا ذلك ، وهم بشير بضم الباء ومبشر وبشر ، وأهموا أنّ فاعل ذلك هو لبيد بن سهل ، فشكاهم قتادة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأن الرسول همّ أن يجادل عن طعمه ، أو عن أبيرق ، ويقال فيه : طعيمة.
وقال الكرماني : أجمع المفسرون على أنّ هذه الآيات نزلت في طعمة بن أبيرق أحمد بني ظفر بن الحرث ، إلا ابن بحر فإنه قال : نزلت في المنافقين ، وهو متصل بقوله : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) (١) انتهى. وفي هذه الآية تشريف للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وتفويض الأمور إليه بقوله : لتحكم بين الناس بما أراك الله.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٨٨.