من عمل عملهم. ويقوي ذلك أنّ هؤلاء إشارة إلى حاضرين. وقرأ عبد الله عنه في الموضعين أي : عن طعمة. وفي قوله : فمن يجادل الله عنهم ، وعيد محض أي : أنّ الله يعلم حقيقة الأمر ، فلا يمكن أن يلبس عليه بجدال ولا غيره. ومعنى هذا الاستفهام النفي أي : لا أحد يجادل الله عنهم يوم القيامة إذا حل بهم عذابه. والوكيل : الحافظ المحامي ، والذي يكل الإنسان إليه أموره. وهذا الاستفهام معناه النفي أيضا ، كأنه قال : لا أحد يكون وكيلا عليهم فيدافع عنهم ويحفظهم. وهاتان الجملتان انتفى في الأولى منهما المجادلة ، وهي المدافعة بالفعل والنصرة بالقوة.
(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) الظاهر أنهما غير أنّ عمل السوء القبيح الذي يسوء غيره ، كما فعل طعمة بقتادة واليهودي. وظلم النفس ما يختص به كالحلف الكاذب. وقيل : ومن يعمل سوءا من ذنب دون الشرك ، أو يظلم نفسه بالشرك انتهى. وقيل : السوء الذنب الصغير ، وظلم النفس الذنب الكبير. وقال أبو عبد الله الرازي : وخص ما يبدي إلى الغير باسم السوء ، لأن ذلك يكون في الأكثر لا يكون ضررا حاضرا ، لأنّ الإنسان لا يوصل الضرر إلى نفسه. وقيل : السوء هنا السرقة. وقيل : الشرك. وقيل : كل ما يأثم به. وقيل : ظلم النفس هنا رمي البريء بالتهمة. وقيل : ما دون الشرك من المعاصي. وقال ابن عطية : هما بمعنى واحد تكرر باختلاف لفظ مبالغة. والظاهر تعليق الغفران والرحمة للعاصي على مجرد الاستغفار وأنه كاف ، وهذا مقيد بمشيئة الله عند أهل السنة. وشرط بعضهم مع الاستغفار التوبة ، وخص بعضهم ذلك بأن تكون المعصية مما بين العبد وبين ربه ، دون ما بينه وبين العبيد. وقيل : الاستغفار التوبة. وفي لفظة : يجد الله غفورا رحيما ، مبالغة في الغفران. كأنّ المغفرة والرحمة معدّان لطالبهما ، مهيآن له متى طلبهما وجدهما. وهذه الآية فيها لطف عظيم ووعد كريم للعصاة إذا استغفروا الله ، وفيها تطلب توبة بني أبيرق والذابين عنهم واستدعاؤهم لها. وعن ابن مسعود : أنها من أرجى الآيات.
(وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) الإثم : جامع للسوء وظلم النفس السابقين والمعنى : أنّ وبال ذلك لا حق له لا يتعدّاه إلى غيره ، وهو إشارة إلى الجزاء اللاحق له في الآخرة. وختمها بصفة العلم ، لأنه يعلم جميع ما يكسب ، لا يغيب عنه شيء من ذلك. ثم بصفة الحكمة لأنه واضع الأشياء مواضعها فيجازى على