أفنى رياحا وبني رياح |
|
تناسخ الإمساء والإصباح |
يريد المساء والصباح ويروى بفتح الهمزة جمع مسى وصبح ، وقال ابن عباس أيضا : معناه خالق النهار والليل ، وقال الكرماني : شاق عمود الصبح عن الظلمة وكاشفه ، وقرأ الحسن وعيسى وأبو رجاء الأصباح بفتح الهمزة جمع صبح وقرأت فرقة بنصب (الْإِصْباحِ) وحذف تنوين (فالِقُ) وسيبويه إنما يجوز هذا في الشعر نحو قوله :
ولا ذاكر الله إلا قليلا
حذف التنوين لالتقاء الساكنين والمبرد يجوّزه في الكلام ، وقرأ النخعي وابن وثاب وأبو حيوة فلق الإصباح فعلا ماضيا.
(وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) لما استدل على باهر حكمته وقدرته بدلالة أحوال النبات والحيوان وذلك من الأحوال الأرضية استدل أيضا على ذلك بالأحوال الفلكية لأن قوله فلق الصبح أعظم من فلق الحب والنوى ، لأن الأحوال الفلكية أعظم وقعا في النفوس من الأحوال الأرضية ، والسكن فعل بمعنى مفعول أي مسكون إليه وهو من تستأنس به وتطمئن إليه ومنه قيل للنار لأنه يستأنس بها ولذلك يسمونها المؤنسة ، ومعنى أن الليل سكن لأن الإنسان يتعب نهاره ويسكن في الليل ولذلك قال تعالى : (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) (١). والحسبان جمع حساب كشهاب وشهبان قاله الأخفش أو مصدر حسب الشيء والحساب الاسم قاله يعقوب ، قال ابن عباس : يعني بها عدد الأيام والشهور والسنين ، وقال قتادة : (حُسْباناً) ضياء انتهى. قيل : وتسمى النار حسبانا وفي صحيح البخاري. قال مجاهد : المراد حسبان كحسبان الرحى وهو الدولاب والعود الذي عليه دورانه ، وقال تاج القرّاء : (حُسْباناً) أي بحساب قال تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) (٢) والمعنى أنه جعل سيرهما بحساب ومقدار لأن الشمس تقطع البروج كلها في ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم وتعود إلى مكانها والقمر يقطعها في ثمانية وعشرين يوما ، وبدورانهما يعرف الناس حساب الأيام والشهور والأعوام ، وقيل : يجريان بحساب وعدد لبلوغ نهاية آجالهما ، وقال الزمخشري : جعلهما على حساب لأن حساب الأوقات يعلم بدورهما وسيرهما ، وقرأ الكوفيون (وَجَعَلَ اللَّيْلَ) فعلا ماضيا لما كان (فالِقُ) بمعنى المضي حسن عطف (وَجَعَلَ)
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٧٣.
(٢) سورة الرحمن : ٥٥ / ٥.