النفي فيشكل معنى هذه القراءة لأنه يكون المعنى (وَما يُشْعِرُكُمْ) أيها الكفار بانتفاء إيمانكم إذا جاءتكم الآية المقترحة ، والذي يناسب صدر الآية (وَما يُشْعِرُكُمْ) بوقوع الإيمان منكم إذا جاءت ، وقد يصح أن يكون التقدير : وأيّ شيء يشعركم بانتفاء الإيمان إذا جاءت ، أي لا يقع ذلك في خواطركم بل أنتم مصممون على الإيمان إذا جاءت ، وأنا أعلم أنكم لا تؤمنون إذا جاءت لأنكم مطبوع على قلوبكم. وكم آية جاءتكم فلم تؤمنوا. وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن (ما) في قوله (ما يُشْعِرُكُمْ) نافية والفاعل بيشعركم ضمير يعود على الله ، ويتكلف معنى الآية على جعلها نافية ، سواء فتحت أن أم كسرت. ومتعلق (لا يُؤْمِنُونَ) محذوف وحسن حذفه كون ما يتعلق به وقع فاصلة ، وتقديره (لا يُؤْمِنُونَ) بها وقد اتضح من ترتيب هذه القراءات الأربع أنه لا يصلح أن يكون الخطاب للمؤمنين على الإطلاق ولا للكفار على الإطلاق ، بل الخطاب يكون على ما يصح به المعنى التي للقراءة.
(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) الظاهر أن قوله : (وَنُقَلِّبُ) جملة استئنافية أخبر تعالى أنه يفعل بهم ذلك وهي إشارة إلى الحيرة والتردد وصرف الشيء عن وجهه. والمعنى أنه تعالى يحولهم عن الهدى ويتركهم في الضلال والكفر. وكما للتعليل أي يفعل بهم ذلك لكونهم لم يؤمنوا به أول وقت جاءهم هدى الله كما قال تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) (١) ويؤكد هذا المعنى آخر الآية (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي ونتركهم في تغمطهم في الشرّ والإفراط فيه يتحيرون ، وهذا كله إخبار من الله تعالى بفعله بهم في الدنيا. وقالت فرقة : هذا الإخبار هو على تقدير : أنه لو جاءت الآية التي اقترحوها صنعنا بهم ذلك. ولذلك قال الزمخشري (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَنَذَرُهُمْ) عطف على (لا يُؤْمِنُونَ) داخل في حكم (وَما يُشْعِرُكُمْ) بمعنى وما يشعركم أنهم لا يؤمنون (وَما يُشْعِرُكُمْ) أنّا (نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) أي فنطبع على أبصارهم وقلوبهم فلا يفقهون ولا يبصرون الحق كما كانوا عند نزول آياتنا أولا لا يؤمنون بها ، لكونهم (وَما يُشْعِرُكُمْ) أنّا (نَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) أي نخليهم وشأنهم لا نكفهم ونصرفهم عن الطغيان حتى يعمهوا فيه انتهى.
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ١٢٥.