وقال الزمخشري : في إيثارهم آلهتهم على الله وعملهم ما لم يشرع لهم. وقال الماتريدي : أي بئس الحكم حكمهم حيث قرنوا حقي بحق الأصنام وبخسوني. وقيل : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) لأنفسهم ، والظاهر أن (ساءَ) هنا مجراة مجرى بئس في الذمّ كقوله : (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ) (١) والخلاف الجاري في (بِئْسَما) وإعراب ما جار هنا وتقدم ذلك مستوفى في قوله : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) (٢) في البقرة وعلى أن حكمها حكم (بِئْسَمَا) فسرها الماتريدي فقال : بئس الحكم حكمهم وأعربها الحوفي وجعل ما موصولة بمعنى الذي قال والتقدير ساء الذي يحكمون حكمهم ، فيكون حكمهم رفعا بالابتداء وما قبله الخبر وحذف لدلالة (يَحْكُمُونَ) عليه. ويجوز أن يكون ما تمييزا على مذهب من يجيز ذلك في (بِئْسَمَا) فيكون في موضع نصب التقدير (ساءَ) حكما حكمهم ولا يكون (يَحْكُمُونَ) صفة لما لأن الغرض الإبهام ولكن في الكلام حذف يدل ما عليه والتقدير ساما (ما يَحْكُمُونَ). وقال ابن عطية : و (ما) في موضع رفع كأنه قال : ساء الذي يحكمون ولا يتجه عندي أن تجري هنا (ساءَ) مجرى نعم وبئس لأن المفسر هنا مضمر ولا بد من إظهاره باتفاق من النحاة ، وإنما اتجه أن يجري مجرى بئس في قوله : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ) (٣) لأن المفسر ظاهر في الكلام ؛ انتهى. وهذا قول من شدا يسيرا من العربية ولم يرسخ قدمه فيها بل إذا جرى ساء مجرى نعم وبئس كان حكمها حكمها سواء لا يختلف في شيء البتة من فاعل مضمر أو ظاهر وتمييز ، ولا خلاف في جواز حذف المخصوص بالمدح والذمّ والتمييز فيها لدلالة الكلام عليه فقوله : لأن المفسر هنا مضمر ولا بد من إظهاره باتفاق النحاة إلى آخره كلام ساقط ودعواه الاتفاق مع أن الاتفاق على خلاف ما ذكر عجب عجاب.
(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) أي ومثل تزيين قسمة القربان بين الله وآلهتهم وجعلهم آلهتهم شركاء لله في ذلك. قال الزمخشري : أو مثل ذلك التزيين البليغ الذي علم من الشياطين وقال ابن الأنباري : ويجوز أن يكون (وَكَذلِكَ) مستأنفا غير مشار به إلى ما قبله فيكون المعنى وهكذا زين ؛ انتهى. و (لِكَثِيرٍ) يراد به من كان من مشركي العرب. قال مجاهد : (شُرَكاؤُهُمْ) شياطينهم أمروهم أن يدفنوا بناتهم أحياء خشية العيلة. وقال الكلبي : (شُرَكاؤُهُمْ) سدنتهم وخزنتهم التي لآلهتهم كانوا يزينون لهم دفن البنات أحياء. وقيل : رؤساؤهم كانوا يقتلون الإناث
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٩٣.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٩٠.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ١٧٧.