لأنها أغلى ثمنا وأغنى نفعا في الرحلة ، وحمل الأثقال عليها وأصبر على الجوع والعطش وأطوع وأكثر انقيادا في الإناخة والإثارة.
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فنسب إليه تحريم ما لم يحرمه الله تعالى ، فلم يقتصر على افتراء الكذب في حق نفسه وضلالها حتى قصد بذلك ضلال غيره فسنّ هذه السنة الشنعاء وغايته بها إضلال الناس فعليه وزرها ووزر من عمل بها.
(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) نفى هداية من وجد منه الظلم وكان من فيه الأظلمية أولى بأن لا يهديه وهذا عموم في الظاهر ، وقد تبين تخصيصه من ما يقتضيه الشرع.
(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) لما ذكر أنهم حرموا ما حرموا افتراء على الله ، أمره تعالى أن يخبرهم بأن مدرك التحريم إنما هو بالوحي من الله تعالى وبشرعه لا بما تهوى الأنفس وما تختلقه على الله تعالى ، وجاء الترتيب هنا كالترتيب الذي في البقرة والمائدة وجاء هنا هذه المحرمات منكرة والدم موصوف بقوله : (مَسْفُوحاً) والفسق موصوفا بقوله : (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) وفي تينك السورتين معرفا لأن هذه السورة مكية فعلق بالتنكير ، وتانك السورتان مدنيتان فجاءت تلك الأسماء معارف بالعهد حوالة على ما سبق تنزيله في هذه السورة. وروي عن ابن عامر فى ما أوحى بفتح الهمزة والحاء جعله فعلا ماضيا مبنيا للفاعل و (مُحَرَّماً) صفة لمحذوف تقديره مطعوما ودل عليه قوله (عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) ويطعمه صفة لطاعم.
وقرأ الباقر (يَطْعَمُهُ) بتشديد الطاء وكسر العين والأصل يطتعمه أبدلت تاؤه طاء وأدغمت فيها فاء الكلمة. وقرأت عائشة وأصحاب عبد الله ومحمد بن الحنفية تطعمه بفعل ماض وإلا أن يكون استثناء منقطع لأنه كون وما قبله عين ، ويجوز أن يكون نصبه بدلا على لغة تميم ونصبا على الاستثناء على لغة الحجاز. وقرأ الابنان وحمزة إلا أن تكون بالتاء وابن كثير وحمزة (مَيْتَةً) بالنصب واسم (يَكُونَ) مضمر يعود على قوله : (مُحَرَّماً) وأنث لتأنيث الخبر. وقرأ ابن عامر (مَيْتَةً) بالرفع جعل كان تامة. وقرأ الباقون بالياء ونصب (مَيْتَةً) واسم كان ضمير مذكر يعود على (مُحَرَّماً) أي (إِلَّا أَنْ يَكُونَ) المحرم (مَيْتَةً)