قبل ما ألقاه إليه من ذلك أمره بجميع ما يريد منه. وإقسام إبليس على هذه الأشياء ليفعلنها يقتضي علم ذلك ، وأنها تقع إمّا لقوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) (١) أو لكونه علم ذلك من جهة الملائكة ، أو لكونه لما استنزل آدم علم أن ذريته أضعف منه.
(وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) أي من يؤثر حظ الشيطان على حظه من الله. وكأنه لما قال إبليس : لأتخذن من عبادك نصيبا ، فذكر أنه يصطفيهم لنفسه ، أخبر أنهم قبلوا ذلك الاتخاذ وانفعلوا له ، فاتخذوه وليا من دون الله. والوليّ هنا قال مقاتل : بمعنى الرب. وقال أبو سليمان الدمشقي : من الموالاة ، ورتب على هذا الاتخاذ الخسران المبين ، لأن من ترك حظه من الله لحظ الشيطان فقد خسرت صفقته. وقوله : من دون الله ، قيد لازم. لأنه لا يمكن أن يتخذ الشيطان وليا إلا إذا لم يتخذ الله وليا ، ولا يمكن أن يتخذ الشيطان وليا ويتخذ الله وليا ، لأنهما طريقان متباينان ، لا يجتمعان هدى وضلالة. وهذه الجملة الشرطية محذرة من اتباع الشيطان.
(يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ) لفظان متقاربان والمعنى : أن الذي أقسم عليه من أن يمنيهم وقع بإخبار الله تعالى عنه بذلك ، واكتفى من الإخبار عن وقوع تلك الجمل التي أقسم عليها إبليس بوضوحها وظهورها. ولما كان الوعد والتمنية من أمور الباطن ، أخبر الله عنه بها. والمعنى : أنه يعدهم بالأمور الباطلة والزخارف الكاذبة ، وأنه لا ثواب ولا عقاب.
(وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) قرأ الأعمش : وما يعدهم بسكون الدال ، خفف لتوالي الحركات. وتقدّم تفسير الغرور ومعناه : هنا الخدع التي تظن نافعة ، ويكشف الغيب أنها ضارة. واحتمل النصب أن يكون مفعولا ثانيا ، أو مفعولا من أجله ، أو مصدرا على غير الصدر لتضمين يعدهم معنى يغرهم ، ويكون ثم وصف محذوف أي : إلا غرورا واضحا أو نحوه ، أو نعتا لمصدر محذوف أي : وعدا غرورا. أي : ذا غرور.
(أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) أخبر تعالى أنّ المكان الذي يأوون إليه ويستقرون فيه هو جهنم ، وأنهم لا يجدون عنها مراغا يروغون إليه. وعنها : لا يجوز أن تتعلق بمحذوف ، لأنها لا تتعدّى بعن ، ولا بمحيصا وإن كان المعنى عليه لأنه مصدر ، فيحتمل أن يكون ذلك تبيينا على إضمارا عنى. وجوزوا أن يكون حالا من محيص ، فيتعلق بمحيص أي : كائنا عنها ، ولو تأخر لكان صفة.
__________________
(١) سورة ص : ٣٨ / ٨٥.