والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ تعظيما للمتلو عليهم ، وأن العدل والنصفة في حقوق اليتامى من عظائم الأمور المرفوعة الدرجات عند الله التي يجب مراعاتها والمحافظة عليها ، والمخل ظالم متهاون بما عظمه الله. ونحوه في تعظيم القرآن وأنه (فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (١). وقيل في هذا الوجه : الخبر محذوف ، والتقدير : وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء لكم أو يفتيكم ، وحذف لدلالة ما قبله عليه. وعلى هذا التقدير يتعلق في الكتاب بقوله : يتلى عليكم ، أو تكون في موضع الحال من الضمير في يتلى ، وفي يتامى بدل من في الكتاب. وقال أبو البقاء في الثانية : تتعلق بما تعلقت به الأولى ، لأن معناها يختلف ، فالأولى ظرف ، والثانية بمعنى الباء أي : بسبب اليتامى ، كما تقول : جئتك في يوم الجمعة في أمر زيد. ويجوز أن تتعلق الثانية بالكتاب أي : فيما كتب بحكم اليتامى. ويجوز أن تكون الثانية حالا ، فتتعلق بمحذوف. وأما النصب فعلى التقدير : ويبين لكم ما يتلى ، لأن يفتيكم معناها يبين فدلت عليها. وأما الجر فمن وجهين : أحدهما : أن تكون الواو للقسم كأنه قال : وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب ، والقسم بمعنى التعظيم ، قاله الزمخشري : والثاني : أن يكون معطوفا على الضمير المجرور في فيهن ، قاله محمد بن أبي موسى. وقال : أفتاهم الله فيما سألوا عنه ، وفي ما لم يسألوا عنه. قال ابن عطية : ويضعف هذا التأويل ما فيه من العطف على الضمير المخفوض بغير إعادة حرف الخفض. قال الزمخشري : ليس بسديد أن يعطف على المجرور في فيهن ، لاختلاله من حيث اللفظ والمعنى انتهى.
والذي اختاره هذا الوجه ، وإن كان مشهور مذهب جمهور البصريين أنّ ذلك لا يجوز إلا في الشعر ، لكن قد ذكرت دلائل جواز ذلك في الكلام. وأمعنت في ذكر الدلائل على ذلك في تفسير قوله : (وَكُفْرٌ بِهِ) (٢) و (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٣) وليس مختلا من حيث اللفظ ، لأنّا قد استدللنا على جواز ذلك ، ولا من حيث المعنى كما زعم الزمخشري ، بل المعنى عليه ويكون على تقدير حذف أي : يفتيكم في متلوهن وفيما يتلى عليكم في الكتاب ، من إضافة متلو إلى ضميرهن سائغة ، إذ الإضافة تكون لأدنى ملابسة لما كان متلوا فيهن صحت الإضافة إليهما. ومن ذلك قول الشاعر :
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ٤.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢١٧.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٤٤ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ٢١٧.