الألف واللام في الصلح للعهد ، ويعني به صلحا السابق كقوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) (١). وقيل : الصلح عام. وقيل : الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف ، ويندرج تحته صلح الزوجين ، ويكون المعنى : خير من الفرقة والاختلاف. وقيل : خير هنا ليس أفعل تفضيل ، وإنما معناه خير من الخيور ، كما أن الخصومة شرّ من الشرور.
(وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) هذا من باب المبالغة جعل الشح كأنه شيء معدّ في مكان. وأحضرت الأنفس وسيقت إليه ، ولم يأت ، وأحضر الشح الأنفس فيكون مسوقا إلى الأنفس ، بل الأنفس سيقت إليه لكون الشح مجبولا عليه الإنسان ، ومركوزا في طبيعته ، وخص المفسرون هذه اللفظة هنا. فقال ابن عباس وابن جبير : هو شح المرأة بنصيبها من زوجها ومالها. وقال الحسن وابن زيد : هو شح كل واحد منهما بحقه. وقال الماتريدي : ويحتمل أن يراد بالشح الحرص ، وهو أن يحرص كل على حقه يقال : هو شحيح بمودّتك ، أي حريص على بقائها ، ولا يقال في هذا بخيل ، فكان الشح والحرص واحد في المعنى ، وإن كان في أصل الوضع الشح للمنع والحرص للطلب ، فأطلق على الحرص الشح لأن كل واحد منهما سبب لكون الآخر ، ولأنّ البخل يحمل على الحرص ، والحرص يحمل على البخل انتهى.
وقال الزمخشري : في قوله : والصلح خير ، وهذه الجملة اعتراض وكذلك قوله : وأحضرت الأنفس الشح. ومعنى إحضار الأنفس الشح : إن الشح جعل حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا ولا تنفك عنه ، يعني : أنها مطبوعة عليه. والغرض أنّ المرأة لا تكاد تسمح بأن يقسم لها ، أو يمسكها إذا رغب عنها وأحب غيرها انتهى. قوله. والصلح خبر جملة اعتراضية ، وكذلك وأحضرت الأنفس الشح هو باعتبار أنّ قوله : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا) (٢) معطوف على قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا) (٣) وقوله : ومعنى إحضار الأنفس الشح إن الشح جعل حاضرا لا يغيب عنها أبدا ، جعله من باب القلب وليس بجيد ، بل التركيب القرآني يقتضي أنّ الأنفس جعلت حاضرة للشح لا تغيب عنه ، لأنّ الأنفس هو المفعول الذي لم يسم فاعله ، وهي التي كانت فاعلة قبل دخول همزة النقل ، إذ الأصل : حضرت الأنفس الشح. على أنه يجوز عند الجمهور في هذا الباب إقامة المفعول الثاني مقام
__________________
(١) سورة المزمل : ٧٣ / ١٥ ـ ١٦.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٣٠.
(٣) سورة النساء : ٤ / ١٢٨.