وبويع أبو اسحاق المعتصم فأقر العباس بن المأمون على ولايته ، وكان الجند قد شغبوا وطلبوا العباس ونادوه باسم الخلافة ؛ فأرسل المعتصم إليه ، وأحضره فبايعه ؛ وخرج إلى الناس وقال لهم : «ما هذا الحب البارد قد بايعت عمي» فسكنوا.
وسار المعتصم إلى بغداد والعباس معه ؛ فلما توجه المعتصم إلى الغزاة ومرّ بحلب ، في سنة ثلاث وعشرين ومائتين ، ودخل إلى بلاد الروم اجتمع به بعض الجند ووبّخه على ما فعل من إعطاء المعتصم الخلافة ، وحسّن له تدارك الأمر ، فاستمال جماعة من القواد وعزموا أن يقبضوا على المعتصم وهو داخل إلى الغزاة فلم يمكنهم العباس وقال : «لا أفسد على الناس غزاتهم».
فنمى الخبر إلى المعتصم فقبض على العباس ، وعلى من ساعده على ذلك ، وهو عائد من الغزاة ، فلما وصل إلى منبج سأل العباس الطعام وكان جائعا فقدم إليه طعام كثير فأكل. فلمّا طلب الماء منع وأدرج في مسح (١) فمات بمنبج في ذي القعدة ، من سنة ثلاث وعشرين ومائتين ؛ وصلى عليه بعض إخوته ودفن بمنبج.
وولى المعتصم حلب وقنسرين حربها وخراجها وضياعها عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالح بن عليّ الهاشمي ؛ ثم إنه ولى أشناس التركي الشام جميعه والجزيرة ومصر ، وتوّجه وألبسه وشاحين بالجوهر في سنة خمس وعشرين ومائتين.
__________________
(١) المسح : الكساء من شعر. المعجم الوسيط.