(وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) (١) والذين يرثون الأرض يحلفون فيها من بعد هلاك أهلها وظاهره التسميع لمن كان في عصر الرسول صلىاللهعليهوسلم من مشركي قريش وغيرهم ، وقال ابن عباس يريد أهل مكة.
(وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) الظاهر أنها جملة مستأنفة أي ونحن (نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) والمعنى أنّ من أوضح الله له سبل الهدى وذكر له أمثالا ممن أهلكه الله تعالى بذنوبهم وهو مع ذلك دائم على غيّه لا يرعوي يطبع الله على قلبه فينبو سمعه عن سماع الحق ، وقال ابن الأنباري يجوز أن يكون معطوفا على أصبنا إذا كان بمعنى نصيب فوضع الماضي موضع المستقبل عند وضوح معنى الاستعمال كما قال تعالى (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) (٢) أي إن يشأ يدل عليه قوله (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) (٣) انتهى فجعل (لَوْ) شرطية بمعنى أن ولم يجعلها التي هي لما كان سيقع لوقوع غيره ولذلك جعل أصبنا بمعنى نصيب ومثال وقوع لو موقع أن قول الشاعر :
لا يلفك الراجيك إلّا مظهرا |
|
خلق الكرام ولو تكون عديما |
وهذا الذي قاله ابن الأنباري ردّه الزمخشري من جهة المعنى لكن بتقدير أن يكون (وَنَطْبَعُ) بمعنى طبعنا فيكون قد عطف المضارع على الماضي الذي هو جواب (لَوْ نَشاءُ) فجعله بمعنى نصيب فتأوّل المعطوف عليه وهو الجواب وردّه إلى المستقبل والزمخشري تأوّل المعطوف وردّه إلى المضي وأنتج ردّ الزمخشري أنّ كلا التقديرين لا يصحّ ، قال الزمخشري : (فإن قلت) : هل يجوز أن يكون (وَنَطْبَعُ) بمعنى طبعنا كما كان لو نشاء بمعنى لو شئنا ويعطف على (أَصَبْناهُمْ) ، (قلت) : لا يساعد هذا المعنى لأنّ القوم كان مطبوعا على قلوبهم موصوفين بصفة من قبلهم من اقتراف الذنوب والإصابة بها وهذا التفسير يؤدي إلى خلوهم عن هذه الصفة وأن الله تعالى لو شاء لا تصفوا بها انتهى وهذا الردّ ظاهره الصحة وملخصه أنّ المعطوف على الجواب جواب سواء تأوّلنا المعطوف عليه أم المعطوف وجواب لو لم يقع بعد سواء كانت حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره أم بمعنى إن الشرطية والإصابة لم تقع والطبع على القلوب واقع فلا تصحّ أن يعطف على الجواب فإن تأوّل (وَنَطْبَعُ) على معنى ونستمر على الطبع على قلوبهم أمكن التعاطف لأنّ الاستمرار لم يقع بعد وإن كان الطبع قد وقع.
وقال أبو عبد الله الرازي : تقرير صاحب الكشاف على أقوى الوجوه هو ضعيف لأنّ كونه مطبوعا عليه في الكفر لم يكن منافيا لصحة العطف وكان قد قرّر أن المعنى أو لم يبين
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٧٦.
(٢) سورة الفرقان : ٢٥ / ١٠.
(٣) سورة الفرقان : ٢٥ / ١٠.