موسى عليهالسلام قال يا فرعون ما هذه بيدي قال : هي عصا فألقاها موسى فإذا هي ثعبان ، وروي أن فرعون رأى يد موسى فقال لفرعون ما هذه فقال : يدك ثم أدخلها جيبه وعليه مدرعة صوف ونزعها فإذا هي بيضاء بياضا نورانيا غلب شعاعها شعاع الشمس وما أعجب أمر هذين الخارقين أحدهما في نفسه وذلك اليد البيضاء ، والآخر في غير نفسه وهي العصا وجمع بذينك تبدّل الذرات وتبدل الاعراض فكانا دالين على جواز الأمرين وإنهما كلاهما ممكن الوقوع ، قال أبو محمد بن عطية : هاتان الآيتان عرضهما موسى عليهالسلام للمعارضة ودعا إلى الله بهما وخرق العادة بهما وتحدّى الناس إلى الدين بهما فإذا جعلنا التحدّي الدّعاء إلى الدين مطلقا فبهما تحدى وإذا جعلنا التحدّي الدعاء بعد العجز عن معارضة المعجزة وظهور ذلك فتنفرد حينئذ العصا بذلك لأنّ المعارضة والمعجز فيها وقعا ويقال : التحدّي هو الدعاء إلى الإتيان بمثل المعجزة فهذه نحو ثالث وعليه يكون تحدّي موسى بالآيتين جميعا لأنّ الظاهر من أمره أنه عرضهما معا وإن كان لم ينص على الدعاء إلى الإتيان بمثلهما انتهى ، وهو كلام فيه تثبيج.
(قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) وفي الشعراء (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) (١) والجمع بينهما أن فرعون وهم قالوا هذا الكلام فحكى هنا قولهم وهناك قوله أو قاله ابتداء فتلقفه منه الملأ فقالوه لأعقابهم أو قالوه عنه للناس على طريق التبليغ كما تفعل الملوك يرى الواحد منهم الرأي فيكلم به من يليه من الخاصّة ثم تبلغه الخاصة العامة والدليل عليه أنهم أجابوه في قولهم (أَرْجِهْ) وكان السحر إذ ذاك في أعلى المراتب فلما رأوا انقلاب العصا ثعبانا والأدماء بيضاء وأنكروا النبوة ودافعوه عنها قصدوا ذمه بوصفه بالسحر وحطّ قدره إذ لم يمكنهم في ظهور ما ظهر على يده نسبة شيء إليه غير السحر وبالغوا في وصفه بأن قالوا : (عَلِيمٍ) أي بالغ الغاية في علم السّحر وخدعه وخيالاته وفنونه وأكثر استعمال لفظ هذا إذا كان من كلام الكفار في التنقص والاستغراب كما قال (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) (٢) ، (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) (٣) ، إن هذا إلا أساطير الأولين (٤) (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (٥) (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) (٦) (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) (٧) يعدلون عن لفظ اسم ذلك الشيء إلى لفظ الإشارة وأكّدوا نسبة السحر إليه بدخول إن واللام.
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ٣٤.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٣٦.
(٣) سورة الفرقان : ٢٥ / ٤١.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ٢٥.
(٥) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٢٤.
(٦) سورة طه : ٢٠ / ٦٣.
(٧) سورة الأنفال : ٨ / ٣٢.