البحيرة ، وروي أنهم جعلوا يرقون وحبالهم وعصيهم تعظم وعصا موسى تعظم حتى سدّت الأفق وابتلعت الكل ورجعت بعد عصا وأعدم الله العصيّ والحبال ومدّ موسى يده في الثعبان فعاد عصا كما كان فعلم السحرة حينئذ أن ذلك ليس من عند البشر فخروا سجّدا مؤمنين بالله ورسوله ، قال الزمخشري : أعدم الله بقدرته تلك الأجرام العظيمة أو فرقها أجزاء لطيفة وقالت السّحرة لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا.
(فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) قال ابن عباس والحسن ظهر واستبان ، وقال أرباب المعاني الوقوع ظهور الشيء بوجوده نازلا إلى مستقره ، قال القاضي : (فَوَقَعَ الْحَقُ) يفيد قوة الظهور والثبوت بحيث لا يصحّ فيه البطلان كما لا يصح في الواقع أن يصير إلا واقعا ومع ثبوت الحقّ بطلت وزالت تلك الأعيان التي أتوا بها وهي الحبال والعصي ، قال الزمخشري : ومن بدع التفاسير فوقع في قلوبهم أي فأثر فيها من قولهم فأس وقيع أي مجرد انتهى ، و (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) يعم سحر السحرة وسعي فرعون وشيعته.
(فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ) أي غلب جميعهم في مكان اجتماعهم أو ذلك الوقت (وَانْقَلَبُوا) أذلّاء وذلك أنّ الانقلاب إن كان قبل إيمان السحرة فهم شركاؤهم في ضمير (انْقَلَبُوا) وإن كان بعد الإيمان فليسوا داخلين في الضمير ولا لحقّهم صغار يصفهم الله به لأنهم آمنوا واستشهدوا وهذا إذا كان الانقلاب حقيقة أما إذا لوحظ فيه معنى الصيرورة فالضمير في (وَانْقَلَبُوا) شامل للسحرة وغيرهم ولذلك فسّره الزمخشري بقوله وصاروا أذلّاء مبهوتين.
(وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) لما كان الضمير قبل مشتركا جرد المؤمنون وأفردوا بالذكر والمعنى خرّوا سجدا كأنما ألقاهم ملق لشدة خرورهم ، وقيل : لم يتمالكوا مما رأوا فكأنهم ألقوا وسجودهم كان لله تعالى لما رأوا من قدرة الله تعالى فتيقنوا نبوّة موسى عليهالسلام واستعظموا هذا النوع من قدرة الله تعالى ، وقيل : ألقاهم الله سجدا سبب لهم من الهدى ما وقعوا به ساجدين ، وقيل سجدوا موافقة لموسى وهارون فإنهما سجدا لله شكرا على وقوع الحقّ فوافقوهما إذ عرفوا الحقّ فكأنما ألقياهم ، قال قتادة : كانوا أول النهار كفارا سحرة وفي آخره شهداء بررة ، وقال الحسن : تراه ولد في الإسلام ونشأ بين المسلمين يبيع دينه بكذا وكذا وهؤلاء كفار نشؤوا في الكفر بذلوا أنفسهم لله تعالى.