(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) في الكلام حذف دل عليه المعنى وهو فدعا موسى فكشف عنهم الرجز وأسند تعالى الكشف إليه لأنه هو الكاشف حقيقة فلما كان من قولهم أسندوه إلى موسى وهو إسناد مجازي ولما كان إخبارا من الله أسنده تعالى إليه لأنه إسناد حقيقي ولما كان الرجز من جملة أخرى غير مقولة لهم حسن إظهاره دون ضميره وكان جائزا أن يكون التركيب في غير القرآن (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ) ومعنى (إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ) إلى حد من الزمان هم بالغوه لا محالة فيعذبون فيه لا ينفعهم ما تقدّم لهم من الإمهال وكشف العذاب إلى حلوله قاله الزمخشري ، وقال ابن عطية : يريد به غاية كل واحد منهم بما يخصّه من الهلاك والموت هذا اللازم من اللفظ كما تقول أخرت كذا إلى وقت كذا وأنت لا تريد وقتا بعينه ، وقال يحيى بن سلام : الأجل هاهنا الغرق قال وإنما قال هذا القول لأنه رأى جمهور هذه الطائفة قد اتفق أن هلكت غرقا فاعتقد أنّ الإشارة هاهنا إنما هي في الغرق وهذا ليس بلازم لأنه لا بد أنه مات منهم قبل الغرق عالم ومنهم من أخر وكشف العذاب عنهم إلى أجل بلغه انتهى.
وفي التحرير (إِلى أَجَلٍ) إلى انقضاء مدة إهمالهم وهي المدة المضروبة لإيمانهم ، وقيل : الغرق ، وقيل : الموت وإذا فسر الأجل بالموت أو بالغرق فلا يصحّ كشف العذاب إلى ذلك الوقت أي وقت حصول الموت أو الغرق لأنه قد تخلل بين الكشف والغرق أو الموت زمان وهو زمان النكث فينبغي أن يكون التقدير على هذا إلى أقرب أجل هم بالغوه أما إذا كان الأجل هو المدة المضروبة لإيمانهم وإرسالهم بني إسرائيل فلا يحتاج إلى حذف مضاف و (إِلى أَجَلٍ) قالوا متعلق ب (كَشَفْنا) ولا يمكن حمله على التعلق به لأن ما دخلت عليه لما ترتب جوابه على ابتداء وقوعه والغاية تنافي التعليق على ابتداء الوقوع فلا بدّ من تعقل الابتداء والاستمرار حتى تتحقق الغاية ولذلك لا تصحّ الغاية في الفعل عن المتطاول لا تقول لما قتلت زيدا إلى يوم الخميس جرى كذا ولا لما وثبت إلى يوم الجمعة اتفق كذا وجعل بعضهم (إِلى أَجَلٍ) من تمام الرجز أي الرّجز كائنا إلى أجل والمعنى أنّ العذاب كان مؤجلا ويقوي هذا التأويل كون جواب لما جاء بإذا الفجائية أي فلما كشفنا عنهم العذاب المقرر عليهم إلى أجل فاجأوا بالنكث وعلى معنى تغييته الكشف بالأجل المبلوغ لا تتأتى المفاجأة إلّا على تأويل الكشف بالاستمرار المغيا ، فتكون المفاجأة بالنكث إذ ذاك ممكنة ، وقال الزمخشري : (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) جواب لما يغيا فلما كشفنا عنهم فاجأوا النكث وبادروه ولم يؤخّروه ولكن لما كشف عنهم نكثوا انتهى ، ولا يمكن التغيية مع ظاهر