في المكان والثابت فيه قالوا : وانتصب (صِراطَكَ) على إسقاط على قاله الزجاج ، وشبه بقول العرب ضرب زيد الظهر والبطن أي على الظهر والبطن وإسقاط حرف الجرّ لا ينقاس في مثل هذا لا يقال قعدت الخشبة تريد قعدت على الخشبة قالوا أو على الظرف كما قال الشّاعر فيه.
كما عسل الطريق الثعلب
وهذا أيضا تخريج فيه ضعف لأنّ (صِراطَكَ) ظرف مكان مختص وكذلك الطريق فلا يتعدّى إليه الفعل إلا بواسطة في ، وما جاء خلاف ذلك شاذّ أو ضرورة وعلى الضرورة أنشدوا :
كما عسل الطريق الثعلب
وما ذهب إليه أبو الحسين بن الطّراوة من أنّ الصراط والطريق ظرف مبهم لا مختص ردّه عليه أهل العربية ، والأولى أن يضمنّ (لَأَقْعُدَنَ) معنى ما يتعدّى بنفسه فينتصب الصّراط على أنه مفعول به والتقدير لألزمنّ بقعودي صراطك المستقيم وهذا الصّراط هو دين الإسلام وهو الموصل إلى الجنة ، ويضعف ما روي عن ابن مسعود وعون بن عبد الله أنه طريق مكة خصوصا على العقبة المعروفة بعقبة الشيطان يضلّ الناس عن الحج ومعنى قعوده أنه يعترض لهم على طريق الإسلام كما يعترض العدو على الطريق ليقطعه على السابلة وفي الحديث «إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه نهاه عن الإسلام وقال أتترك دين آبائك فعصاه وأسلم فنهاه عن الهجرة ، وقال : تدع أهلك وبلدك فعصاه فهاجر فنهاه عن الجهاد وقال : تقتل وتترك ولدك فعصاه فجاهد فله الجنة».
(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ). الظاهر أنّ إتيانه من هذه الجهات الأربع كناية عن وسوسته وإغوائه له والجدّ في إضلاله من كل وجه يمكن ولما كانت هذه الجهات يأتي منها العدوّ غالبا ذكرها لا أنه يأتي من الجهات الأربع حقيقة ، وقال ابن عباس : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) الآخرة أشككهم فيها وأنه لا بعث (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) الدّنيا أرغبهم فيها وزيّنها لهم وعنه أيضا وعن النخعي والحكم بن عتبة عكس هذا ، وعنه (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) الحقّ وعن (شَمائِلِهِمْ) الباطل وعنه أيضا : (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) الحسنات وعن (شَمائِلِهِمْ) السيئات ، وقال مجاهد : الأوّلان حيث ينصرون والآخران حيث لا ينصرون ، وقال أبو صالح الأوّلان الحقّ والباطل والآخران الآخرة والدنيا ، وقيل : الأولان بفسحة الأمل وبنسيان الأجل والآخران فيما تيسر وفيما تعسر ، وقيل الأولان فيما