أنّ الكتاب هو السابق ذكره في (وَرِثُوا الْكِتابَ) فيجيء الخلاف فيه كالخلاف في ذلك وهو مبني على المراد في قوله (خَلْفٌ وَرِثُوا) ، وقيل : الكتاب هنا للجنس أي الكتب الإلهية والتمسّك بالكتاب يستلزم إقامة الصلاة لكنها أفردت بالذكر تعظيما لشأنها لأنها عماد الدين بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة ، وقرأ عمر وأبو العالية وأبو بكر عن عاصم (يُمَسِّكُونَ) من أمسك والجمهور (يُمَسِّكُونَ) مشدّدا من مسك وهما لغتان جمع لغتان جمع بينهما كعب بن زهير فقال :
فما تمسّك بالعهد الذي زعمت |
|
إلا كما يمسك الماء الغرابيل |
وأمسك متعدّ قال : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ) (١) فالمفعول هنا محذوف أي يمسكون أعمالهم أي يضبطونها والباء على هذا تحتمل الحالية والآلة ومسك مشدد بمعنى تمسّك والباء معها للآلة وفعل تأتّى بمعنى تفعل نصّ عليه التصريفيون ، وقرأ عبد الله والأعمش : استمسكوا وفي حرف أبي تمسكوا بالكتاب والظاهر أن قوله (وَالَّذِينَ) استئناف إخبار لما ذكر حال من لم يتمسك بالكتاب ذكر حال من استمسك به فيكون والذين على هذا مرفوعا بالابتداء وخبره الجملة بعده كقوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (٢) إذا جعلنا الرابط هو في من أحسن عملا وهو العموم كذلك هذا يكون الرابط هو العموم في (الْمُصْلِحِينَ) ، وقال الحوفي وأبو البقاء : الرابط محذوف تقديره أجر المصلحين اعتراض والتقدير مأجورون أو نأجرهم انتهى ، ولا ضرورة إلى ادعاء الحذف وأجاز أبو البقاء أن يكون الرّابط هو (الْمُصْلِحِينَ) وضعه موضع المضمر أي لا نضيع أجرهم انتهى ، وهذا على مذهب الأخفش حيث أجاز الرابط بالظاهر إذا كان هو المبتدأ فأجاز زيد قام أبو عمرو إذا كان أبو عمرو وكنية زيد كأنه قال : زيد قام أي هو وأجاز الزمخشري أن يكون (وَالَّذِينَ) في موضع جرّ عطفا على (الَّذِينَ يَتَّقُونَ) ولم يذكر ابن عطية غيره والاستئناف هو الظاهر كما قلنا.
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ
__________________
(١) سورة الحجّ : ٢٢ / ٦٥.
(٢) سورة الكهف : ١٨ / ٣٠.