جهة التشبيه مخالفة لجهة المبالغة في الضلال وأن هذا الإضراب ليس على سبيل الإبطال بمدلول الجملة السابقة (بَلْ هُمْ أَضَلُ) إضراب دال على الانتقال من إخبار إلى إخبار فالجملة الأولى شبههم بالأنعام في انتفاء منافع الإدراكات المؤدّية إلى امتثال ما جاءت به الرسل والجملة الثانية أثبتت لهم المبالغة في ضلال طريقهم التي يسلكونها فالموصوف بالمبالغة في الضلال طريقهم وحذف التمييز وتقديره : (بَلْ هُمْ أَضَلُ) طريقا منهم ويبين هذا قوله تعالى : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) (١) أي في انتفاء السمع للتدبير والعقل (بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) أي بل سبيلهم أضلّ فالمحكوم عليه أوّلا غير المحكوم عليه آخرا والمحكوم به أيضا مختلف.
(أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) هذه الجملة بيّن تعالى بها سبب كونهم أضلّ من الأنعام وهو الغفلة. وقال عطاء : عن ما أعدّ الله لأوليائه من الثواب ولأعدائه من العقاب.
(وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) قال مقاتل : دعا رجل الله تعالى في صلاته ومرة دعا الرحمن ، فقال أبو جهل : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربّا واحدا فما بال هذا يدعو اثنين فنزلت ، ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر أنه ذرأ كثيرا من الجنّ والإنس للنار ذكر نوعا منهم وهم (الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) وهم أشدّ الكفار عتبا أبو جهل وأضرابه وأيضا لما نبه على أن دخولهم جهنم هو للغفلة عن ذكر الله والمخلص من العذاب هو ذكر الله أمر بذكر الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والقلب إذا غفل عن ذكر الله وأقبل على الدنيا وشهواتها وقع في الحرص ، وانتقل من رغبة إلى رغبة ومن طلب إلى طلب ومن ظلمة إلى ظلمة ، وقد وجدنا ذلك بالذوق حتى إن أحدهم ليصلي الصلوات كلها قضاء في وقت واحد فإذا انفتح على قلبه باب ذكر الله تعالى تخلص من آفات الغفلة وامتثل ما آمره الله وبه واجتنب ما نهى عنه.
قال الزمخشري : التي هي أحسن الأسماء لأنها لا تدل على معان حسنة من تحميد وتقديس وغير ذلك انتهى ، فالحسنى هي تأنيث الأحسن ووصف الجمع الذي لا يعقل بما يوصف به الواحدة كقوله (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) (٢) وهو فصيح ولو جاء على المطابقة للجمع لكان التركيب الحسن على وزن الأخر كقوله (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (٣) لأن جمع ما لا يعقل يخبر
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٤٤.
(٢) سورة طه : ٢٠ / ١٨.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٨٥.