وانتصب (مَدْحُوراً) على أنه حال ثانية على من جوّز ذلك أو حال من الضمير في (مَذْؤُماً) أو صفة لقوله (مَذْؤُماً).
(لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) قرأ الجمهور (لَمَنْ) بفتح اللام الابتداء ومن موصولة و (لَأَمْلَأَنَ) جواب قسم محذوف بعد من تبعك وذلك القسم المحذوف وجوابه في موضع خبر من الموصولة ، وقرأ الجحدري وعصمة عن أبي بكر عن عاصم (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) بكسر اللام واختلفوا في تخريجها ، فقال ابن عطية : المعنى لأجل من تبعك منهم (لَأَمْلَأَنَ) انتهى ، فظاهر هذا التقدير أنّ اللام تتعلق بلأملأن ويمتنع ذلك على قول الجمهور أن ما بعد لام القسم لا يعمل فيما قبله ، وقال الزمخشري بمعنى لمن تبعك منهم الوعيد وهو قوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) على أنّ (لَأَمْلَأَنَ) في محل الابتداء و (لَمَنْ تَبِعَكَ) خبره انتهى فإن أراد ظاهر كلامه فهو خطأ على مذهب البصريين لأنّ قوله (لَأَمْلَأَنَ) جملة هي جواب قسم محذوف فمن حيث كونها جملة فقط لا يجوز أن تكون مبتدأة ومن حيث كونها جوابا للقسم يمتنع أيضا لأنها إذ ذاك من هذه الحيثية لا موضع لها من الإعراب ومن حيث كونها مبتدأة لها موضع من الإعراب ولا يجوز أن تكون الجملة لها موضع ولا موضع لها بحال لأنه يلزم أن تكون في موضع رفع لا في موضع رفع داخلا عليها عامل غير داخل وذلك لا يتصور ، وقال أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي : اللام متعلقة من الذأم والدّحر ومعناه أخرج بهاتين الصفتين لأجل أتباعك ذكر ذلك في كتاب اللوامح في شواذ القراءات ومعنى (مِنْكُمْ) منك وممن تبعك فغلب الخطاب على الغيبة كما تقول أنت وإخوتك أكرمكم.
(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ). أي وقلنا يا آدم وتقدّم تفسير هذه الآية في البقرة. إلا أن هنا فكلا من حيث شئتما وفي البقرة (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) (١) ، قالوا : وجاءت على أحد محاملها وهو أن يكون الثاني بعد الأول وحذف رغدا هنا على سبيل الاختصار وأثبت هناك لأنّ تلك مدنية وهذه مكية فوفّي المعنى هناك باللفظ.
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) أي فعل الوسوسة لأجلهما وأما قوله (فَوَسْوَسَ) إليه فمعناه ألقى الوسوسة إليه ، قال الحسن : وصلت وسوسته
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٣٥.