المضمر بالقراءة المتواترة وأن كلا لما وبنقل سيبويه عن العرب لكنه نصب في هذه القراءة خبرها نصب عمر بن أبي ربيعة المخزومي في قوله :
إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن |
|
خطاك خفافا إن حرّاسنا أسدا |
وقد ذهب جماعة من النحاة إلى جواز نصب أخبار إنّ وأخواتها واستدلوا على ذلك بشواهد ظاهرة الدلالة على صحة مذهبهم وتأولها المخالفون ، فهذه القراءة الشاذة تتخرّج على هذه اللغة أو تتأوّل على تأويل المخالفين لأهل هذا المذهب وهو أنهم تأولوا المنصوب على إضمار فعل كما قالوا في قوله :
يا ليت أيام الصّبا رواجعا
إن تقديره أقبلت رواجعا فكذلك تؤول هذه القراءة على إضمار فعل تقديره (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) تدعون عبادا أمثالكم ، وتكون القراءتان قد توافقتا على معنى واحد وهو الإخبار أنهم عباد ، ولا يكون تفاوت بينهما وتخالف لا يجوز في حقّ الله تعالى وقرىء أيضا إن مخففة ونصب عبادا على أنه حال من الضمير المحذوف العائد من الصلة على الذين وأمثالكم بالرفع على الخبر أي أن الذين تدعونهم من دون الله في حال كونهم عبادا أمثالكم في الخلق أو في الملك فلا يمكن أن يكونوا آلهة (فَادْعُوهُمْ) أي فاختبروهم بدعائكم هل يقع منهم إجابة أو لا يقع والأمر بالاستجابة هو على سبيل التعجيز أي لا يمكن أن يجيبوا كما قال : (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) (١) ومعنى (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعوى إلهيتهم واستحقاق عبادتهم كقول إبراهيم عليهالسلام لأبيه (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (٢).
(أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها). هذا استفهام إنكار وتعجيب وتبيين أنهم جماد لا حراك لهم وأنهم فاقدون لهذه الأعضاء ومنافعها التي خلقت لأجلها فأنتم أفضل من هذه الأصنام أذلكم هذا التصرف وهذا الاستفهام الذي معناه الإنكار قد يتوجه الإنكار فيه إلى انتفاء هذه الأعضاء وانتفاء منافعها فيتسلط النفي على المجموع كما فسرناه لأنّ تصويرهم هذه الأعضاء للأصنام ليست أعضاء حقيقة وقد يتوجه النفي إلى الوصف أي وإن كانت لهم هذه الأعضاء مصوّرة فقد انتفت هذه المنافع التي للأعضاء والمعنى أنكم أفضل من الأصنام بهذه
__________________
(١) سورة فاطر : ٣٥ / ١٤.
(٢) سورة مريم : ١٩ / ٤٢.