هنا (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) حكمها ولمن تكون ولذلك جاء الجواب (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) وقد يكون السؤال لاقتضاء مال ونحوه فيتعدى إذ ذاك لمفعولين تقول سألت زيادا مالا وقد جعل بعض المفسرين السؤال هنا بهذا المعنى وادعى زيادة (عَنِ) ، وأن التقدير يسألونك الأنفال ، وهذا لا ضرورة تدعو إلى ذلك ، وينبغي أن تحمل قراءة من قرأ بإسقاط عن على إرادتها لأن حذف الحرف ، وهو مراد معنى ، أسهل من زيادته لغير معنى غير التوكيد وهي قراءة سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعلي بن الحسين وولديه زيد ومحمد الباقر وولده جعفر الصادق وعكرمة وعطاء والضحاك وطلحة بن مصرف. وقيل (عَنِ) بمعنى من أي يسألونك من الأنفال ولا ضرورة تدعوا إلى تضمين الحرف معنى الحرف ، وقرأ ابن محيصن علنفال نقل حركة الهمزة إلى لام التعريف وحذف الهمزة واعتدّ بالحركة المعارضة فأدغم نحو ، وقد تبين لكم.
ومعنى (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) ليس فيها لأحد من المهاجرين ولا من الأنصار ولا فوض إلى أحد بل ذلك مفوض لله على ما يريده وللرسول حيث هو مبلغ عن الله الأحكام وأمرهم بالتقوى ليزول عنهم التخاصم ويصيروا متحابين في الله وأمر بإصلاح ذات البين وهذا يدلّ على أنه كانت بينهم مباينة ومباعدة ربما خيف أن تفضي بهم إلى فساد ما بينهم من المودة والمعافاة ، وتقدم الكلام على (ذاتَ) في قوله (بِذاتِ الصُّدُورِ) (١) ، والبين هنا الفراق والتباعد و (ذاتَ) هنا نعت لمفعول محذوف أي (وَأَصْلِحُوا) أحوالا (ذاتَ) افتراقكم لما كانت الأحوال ملابسة للبين أضيفت صفتها إليه كما تقول اسقني ذا إنائك أي ماء صاحب إنائك لما لا بس الماء الإناء وصف بذا وأضيف إلى الإناء والمعنى اسقني ما في الإناء من الماء. قال ابن عطية : و (ذاتَ) في هذا الموضع يراد بها نفس الشيء وحقيقته والذي يفهم من (بَيْنِكُمْ) هو معنى يعمّ جميع الوصل والالتحامات والمودّات وذات ذلك هو المأمور بإصلاحها أي نفسه وعينه فحضّ الله على إصلاح تلك الأجزاء وإذا حصلت تلك حصل إصلاح ما يعمها وهو البين الذي لهم ، وقد تستعمل لفظة الذات على أنها لزيمة ما يضاف إليه وإن لم يكن نفسه وعينه وذلك في قوله (عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٢) و (ذاتِ الشَّوْكَةِ) ويحتمل ذات البين أن تكون هذه وقد يقال الذات أيضا بمعنى آخر وإن كان يقرب من هذا وهو قولهم فعلت كذا ذات يوم ومنه قول الشاعر :
لا ينبح الكلب فيها غير واحدة |
|
ذات العشاء ولا تسري أفاعيها |
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١١٩ وغيرها.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٧ وغيرها.