قتلت وأسرت فنزلت. قال الزمخشري : والفاء جواب شرط محذوف تقديره إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم ولكنّ الله قتلهم لأنه هو الذي أنزل الملائكة وألقى الرعب في قلوبهم وشاء النصر والظفر وقوى قلوبكم وأذهب عنها الفزع والجزع انتهى ، وليست الفاء جواب شرط محذوف كما زعم وإنما هي للربط بين الجمل لأنه لما قال (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) كان امتثال ما أمروا به بابا للقتل فقيل (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) أي لستم مستبدين بالقتل لأنّ الأقدار عليه والخالق له إنما هو الله ليس للقاتل فيها شيء لكنه أجرى على يده فنفى عنهم إيجاد القتل وأثبت لله وفي ذلك ردّ على من زعم أن أفعال العباد خلق لهم ، ومجيء (لكِنَ) هنا أحسن مجيء لكونها بين نفي وإثبات فالمثبت لله هو المنفيّ عنهم وهو حقيقة القتل ومن زعم أنّ أفعال العباد مخلوقة لهم أوّل الكلام على معنى فلم يتسببوا لقتلكم إياهم ولكنّ الله قتلهم لأنه هو الذي أنزل الملائكة إلى آخر كلامه ، وعطف الجملة المنفية بما على الجملة المنفيّة بلم لأنّ لم نفي للماضي وإن كان بصورة المضارع لأنّ لنفي الماضي طريقين إحداهما أن تدخل ما على لفظه والأخرى أن تنفيه بلم فتأتي بالمضارع والأصل هو الأول لأن النفي ينبغي أن يكون على حسب الإيجاب وفي الجملة مبالغة من وجهين أحدهما أن النفي جاء على حسب الإيجاب لفظا. الثاني إن نفي ما صرح بإثباته وهو قوله (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) ولم يصرّح في قوله (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) بقوله إذ قتلتموهم وإنما بولغ في هذا لأن الرمي كان أمرا خارقا للعادة معجزا آية من آيات الله على أي وجه فسر الرمي لأنهم اختلفوا فيه ، فقال ابن عباس قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم بدر قبضة من تراب فقال : «شاهت الوجوه» أي قبحت فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه وفيه ومنخريه منها شيء ، وقال حكيم بن حزام فسمعنا صوتا من السماء كأنه صوت حصاة وقعت في طست فرمى رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلك الرّمية فانهزموا ، وقال أنس : رمى ثلاث حصيات يوم بدر واحدة في ميمنة القوم وواحدة في ميسرتهم وثالثة بين أظهرهم ، وقال : «شاهت الوجوه» فانهزموا.
وقيل الرمي هنا رمي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بحربة على أبيّ بن خلف يوم أحد ، قال ابن عطية : وهذا ضعيف لأنّ الآية نزلت عقب بدر وعلى هذا القول تكون أجنبية مما قبلها وبعدها وذلك بعيد ، وقيل المراد السهم الذي رمى به رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حصن خيبر فسار في الهوى حتى أصاب ابن أبي الحقيق وهذا فاسد والصحيح في صورة قتل ابن أبي الحقيق غير هذا وقوله (وَما رَمَيْتَ) نفي و (إِذْ رَمَيْتَ) إثبات فاحتيج إلى تأويل وهو أن