مصدر للفعل المضمر أي ويكفي زيدا وفي قطّك وزيدا درهم التقدير فيه أبعد لأنّ قطّك ليس في الفعل المضمر شيء من لفظه إنما هو مفسر من حيث المعنى فقط وفي ذلك الفعل المضمر فاعل يعود على الدرهم والنية بالدرهم التقديم فيصير من عطف الجمل ولا يجوز أن يكون من باب الأعمال لأن طلب المبتدأ للخبر وعمله فيه ليس من قبيل طلب الفعل أو ما جرى مجراه ولا عمله فلا يتوهم ذلك ، وقال الزّجاج : حسب اسم فعل والكاف نصب والواو بمعنى مع انتهى ، فعلى هذا يكون (اللهُ) فاعلا لحسبك وعلى هذا التقدير يجوز في (وَمَنِ) أن يكون معطوفا على الكاف لأنها مفعول باسم الفعل لا مجرور لأن اسم الفعل لا يضاف إلا أنّ مذهب الزّجاج خطأ لدخول العوامل على (حَسْبُكَ) تقول بحسبك درهم وقال تعالى : (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) (١) ، ولم يثبت كونه اسم فعل في مكان فيعتقد فيه أنه يكون اسم فعل واسما غير اسم فعل كرويد وأجاز أبو البقاء رفع (وَمَنِ) على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره وحسبك من اتبعك وعلى أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره (وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) كذلك أي حسبهم الله ، وقرأ الشعبي (وَمَنِ اتَّبَعَكَ) بإسكان النون وأتبع على وزن أكرم.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ). هاتان الجملتان شرطيّتان في ضمنهما الأمر بصبر عشرين لمائتين وبصبر مائة لألف ولذلك دخلها النسخ إذ لو كان خبرا محضا لم يكن فيه النسخ لكنّ الشرط إذا كان فيه معنى التكليف جاز فيه النّسخ وهذا من ذلك ولذلك نسخ بقوله (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) والتقييد بالصبر في أول كلّ شرط لفظا هو محذوف من الثانية لدلالة ذكره في الأولى وتقييد الشرط الثاني بقوله : (مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) لفظا هو محذوف من الشرط الأول في قوله : (يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) فانظر إلى فصاحة هذا الكلام حيث أثبت قيد من الجملة الأولى وحذف نظيره من الثانية وأثبت قيد في الثانية وحذف من الأولى ولما كان الصبر شديد المطلوبيّة أثبت في أولى جملتي التخفيف وحذف من الثانية لدلالة السابقة عليه ثم ختمت الآية بقوله (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) مبالغة في شدّة المطلوبيّة ولم يأت في جملتي التخفيف قيد الكفر اكتفاء بما قبل ذلك وتظاهرت الروايات عن ابن عباس وغيره من
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٦٢.