مجوفة فيصل إلى أجوافها الحر ، بخلاف اليد والرجل. وقيل : معناه يكوون على الجهات الثلاث مقاديمهم ومآخرهم وجنوبهم. وقيل : لما طلبوا المال والجاه شان الله وجوههم ، ولما طووا كشحا عن الفقير إذا جالسهم كويت ظهورهم. وقال الزمخشري : لأنهم لم يطلبوا بأموالهم حيث لم ينفقوها في سبيل الله تعالى إلا الأغراض الدنيوية من وجاهة عند الناس وتقدّم ، وأن يكون ماء وجوههم مصونا عندهم يتلقون بالجميل ، ويحيون بالإكرام ، ويحتشمون ، ومن أكل طيبات يتضلعون منها ، وينفخون جنوبهم ، ومن لبس ناعمة من الثياب يطرحونها على ظهورهم كما ترى أغنياء زمانك هذه أغراضهم وطلباتهم من أموالهم. لا يخطرون ببالهم قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ذهب أهل الدثور بالأجور» وقيل : لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا ، وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه ، وتولوا بأركانهم ، وولوا ظهورهم. وأضمر القول في هذا ما كنزتم أي : يقال لهم وقت الكي والإشارة بهذا إلى المال المكنوز ، أو إشارة إلى الكي على حذف مضاف من ما كنزتم ، أي : هذا الكي نتيجة ما كنزتم ، أو ثمرة ما كنزتم. ومعنى لأنفسكم : لتنتفع به أنفسكم وتلتذ ، فصار عذابا لكم ، وهذا القول توبيخ لهم. فذوقوا ما كنتم أي : وبال المال الذي كنتم تكنزون. ويجوز أن تكون ما مصدرية أي : وبال كونكم كانزين. وقرىء يكنزون بضم النون. وفي حديث أبي ذر : «بشر الكانزين برصد يحمى عليها في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدييه وتزلزله وتكوى الجباه والجنوب والظهور حتى يلتقي الحر في أجوافهم» وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم : «الوعيد الشديد لمانع الزكاة».
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) كانت العرب لا عيش لأكثرها إلا من الغارات وأعمال سلاحها ، فكانت إذا توالت عليهم الأربعة الحرم صعب عليها وأملقوا ، وكان بنو فقيم من كنانة أهل دين وتمسك بشرع إبراهيم عليهالسلام ، فانتدب منهم القلمس وهو حذيفة بن عبيد بن فقيم فنسأ الشهور للعرب ، ثم خلفه على ذلك ابنه عباد ، ثم ابنه قلع ، ثم ابنه أمية ، ثم ابنه عوف ، ثم ابنه جنادة بن عوف ، وعليه قام الإسلام. وكانت العرب إذا فرغت من حجها جاء إليه من شاء منهم مجتمعين فقالوا : أنسئنا شهرا أي : أخّر عنا حرمة المحرم فاجعلها في صفر ، فيحل لهم المحرم ، فيغيرون فيه ويعيشون. ثم يلزمون حرمة صفر ليوافقوا عدّة الأشهر الأربعة ، ويسمون ذلك الصفر المحرم ، ويسمون ربيعا الأول