العدة التي حرم الله وهي الأربعة ولا يخالفونها ، وقد خالفوا التخصيص الذي هو أصل الواجبين. والواجبان هما العدد الذي هو أربعة في أشخاص أشهر معلومة وهي : رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة والمحرم كما تقدم. ويقال : تواطؤوا على كذا إذا اجتمعوا عليه ، كان كل واحد منهم يطأ حيث يطأ صاحبه. ومنه الإيطاء في الشعر ، وهو أن يأتي في الشعر بقافيتين على لفظ واحد ومعنى واحد ، وهو عيب إن تقارب. واللام في ليواطئوا متعلقة بقوله : ويحرمونه ، وذلك على طريق الأعمال. ومن قال : إنه متعلق بيحلونه ويحرمونه معا ، فإنه يريد من حيث المعنى ، لا من حيث الإعراب. قال ابن عطية : ليحفظوا في كل عام أربعة أشهر في العدد ، فأزالوا الفضيلة التي خص الله بها الأشهر الحرم وحدها ، بمثابة أن يفطر رمضان ، ويصوم شهرا من السنة بغير مرض أو سفر انتهى. وقرأ الأعمش وأبو جعفر : ليواطيوا بالياء المضمومة لما أبدل من الهمزة ياء عامل البدل معاملة المبدل منه ، والأصح ضم الطاء وحذف الياء لأنه أخلص الهمزة ياء خالصة عند التخفيف. فسكنت لاستثقال الضمة عليها ، وذهبت لالتقاء الساكنين ، وبدلت كسرة الطاء ضمة لأجل الواو التي هي ضمير الجماعة كما قيل في رضيوا رضوا. وجاء عن الزهري : ليواطيوا بتشديد الياء ، هكذا الترجمة عنه. قال صاحب اللوامح : فإن لم يرد به شدة بيان الياء وتخليصها من الهمز دون التضعيف ، فلا أعرف وجهه انتهى. فيحلوا ما حرم الله أي بمواطأة العدة وحدها من غير تخصيص ما حرم الله تعالى من القتال ، أو من ترك الاختصاص للأشهر بعينها. وقرأ الجمهور : زين لهم سوء أعمالهم مبنيا للمفعول. والأولى أن يكون المنسوب إليه التزيين الشيطان ، لأن ما أخبر به عنهم سيق في المبالغة في معرض الذم. وقرأ زيد بن علي : زيّن لهم سوء بفتح الزاي والياء والهمزة ، والأولى أن يكون زين لهم ذلك الفعل سوء أعمالهم. قال الزمخشري : خذلهم الله تعالى فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة. والله لا يهدي أي : لا يلطف بهم ، بل يخذلهم انتهى. وفيه دسيسة الاعتزال. وقال أبو علي : لا يهديهم إلى طريق الجنة والثواب. وقال الأصم : لا يحكم لهم بالهداية. وقيل : لا يفعل بهم خيرا ، والعرب تسمي كل خير هدى ، وكل شر ضلالة انتهى. وهذا إخبار عمن سبق في علمه أنهم لا يهتدون.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) : لما أمر الله رسوله بغزاة تبوك ، وكان زمان جدب وحر شديد وقد طابت الثمار ، عظم ذلك على الناس