ومن يمكنه بصعوبة ، وأما من لا يمكنه كالأعمى ونحوه فخارج عن هذا. وروي أن ابن أم مكتوم جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : أعليّ أن أنفر؟ قال : نعم ، حتى نزلت : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) (١) وذكر المفسرون من معاني الخفة والثقل أشياء لا على وجه التخصيص بعضها دون بعض ، وإنما يحمل ذلك على التمثيل لا على الحصر. قال الحسن وعكرمة ومجاهد : شبابا وشيوخا. وقال أبو صالح : أغنياء وفقراء في اليسر والعسر. وقال الأوزاعي : ركبانا ومشاة. وقيل : عكسه. وقال زيد بن أسلم : عزبانا ومتزوجين. وقال جويبر : أصحاء ومرضى. وقال جماعة : خفافا من السلاح أي مقلين فيه ، وثقالا أي مستكثرين منه. وقال الحكم بن عيينة وزيد بن علي : خفافا من الإشغال وثقالا بها. وقال ابن عباس : خفافا من العيال ، وثقالا بهم. وحكى التبريزي : خفافا من الأتباع والحاشية ، ثقالا بهم. وقال علي بن عيسى : هو من خفة اليقين وثقله عند الكراهة. وحكى الماوردي : خفافا إلى الطاعة ، وثقالا عن المخالفة. وحكى صاحب الفتيان : خفافا إلى المبارزة ، وثقالا في المصابرة. وحكى أيضا : خفافا بالمسارعة والمبادرة ، وثقالا بعد التروي والتفكر. وقال ابن زيد : وقال ابن زيد : ذوي صنعة وهو الثقيل ، وغير ذوي صنعة وهو الخفيف. وحكى النقاش : شجعانا وجبنا. ويقل : مهازيل وسمانا. وقيل : سباقا إلى الحرب كالطليعة وهو مقدم الجيش ، والثقال الجيش بأسره. وقال ابن عباس وقتادة : النشيط والكسلان. والجمهور على أن الأمر موقوف على فرض الكفاية ، ولم يقصد به فرض الأعيان. وقال الحسن وعكرمة : هو فرض على المؤمنين عنى به فرض الأعيان في تلك المدة ، ثم نسخ بقوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) (٢) وانتصب خفافا وثقالا على الحال. وذكر بأموالكم وأنفسكم إذ ذلك وصف لأكمل ما يكون من الجهاد وأنفعه عند الله ، فحض على كمال الأوصاف وقدّمت الأموال إذ هي أول مصرف وقت التجهيز ، وذكر ما المجاهد فيه وهو سبيل الله. والخيرية هي في الدنيا بغلبة العدو ، ووراثة الأرض ، وفي الآخرة بالثواب ورضوان الله. وقد غزا أبو طلحة حتى غزا في البحر ومات فيه ، وغزا المقداد على ضخامته وسمنه ، وسعيد بن المسيب وقد ذهبت إحدى عينيه ، وابن أم مكتوم مع كونه أعمى.
(لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) : أي لو كان ما
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٦١.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ١٢٢.