(اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) (١) بالأوجه الثلاثة يهلكون أنفسهم بالحلف الكاذب ، أي : يوقعونها في الهلاك به. والظاهر أنها جملة استئناف إخبار منه تعالى. وقال الزمخشري : يهلكون أنفسهم إما أن يكون بدلا من سيحلفون ، أو حالا بمعنى مهلكين. والمعنى : أنهم يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذب ، وما يحلفون عليه من التخلف. ويحتمل أن يكون حالا من قوله : لخرجنا أي ، لخرجنا معكم وإن أهلكنا أنفسنا وألقيناها في التهلكة بما يحملها من المسير في تلك الشقة ، وجاء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم. ألا ترى أنه لو قيل : سيلحفون بالله لو استطاعوا لخرجوا لكان سديدا؟ يقال : حلف بالله ليفعلن ولأفعلن ، فالغيبة على حكم الإخبار ، والتكلم على الحكام انتهى. أما كون يهلكون بدلا من سيحلفون فبعيد ، لأن الإهلاك ليس مرادفا للحلف ، ولا هو نوع من الحلف ، ولا يجوز أن يبدل فعل من فعل إلا أن يكون مرادفا له أو نوعا منه. وأما كونه حالا من قوله : لخرجنا ، فالذي يظهر أن ذلك لا يجوز ، لأن قوله لخرجنا فيه ضمير التكلم ، فالذي يجري عليه إنما يكون بضمير المتكلم. فلو كان حالا من ضمير لخرجنا لكان التركيب : نهلك أنفسنا أي : مهلكي أنفسنا. وأما قياسه ذلك على حلف بالله ليفعلنّ ولأفعلنّ فليس بصحيح ، لأنه إذا أجراه على ضمير الغيبة لا يخرج منهم إلى ضمير المتكلم ، لو قلت : حلف زيد ليفعلن وأنا قائم ، على أن يكون وأنا قائم حالا من ضمير ليفعلن لم يجز ، وكذا عكسه نحو : حلف زيد لأفعلن يقوم ، تريد قائما لم يجز. وأما قوله : وجاء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم فهي مغالطة ليس مخبرا عنهم بقوله : لو استطعنا لخرجنا معكم ، بل هو حاك لفظ قولهم. ثم قال : ألا ترى لو قيل : لو استطاعوا لخرجوا لكان سديدا إلى آخره كلام صحيح ، لكنه تعالى لم يقل ذلك إخبارا عنهم ، بل حكاية. والحال من جملة كلامهم المحكي ، فلا يجوز أن يخالف بين ذي الحال وحاله لاشتراكهما في العامل. لو قلت : قال زيد : خرجت يضرب خالدا ، تريد اضرب خالدا ، لم يجز. ولو قلت : قالت هند : خرج زيد أضرب خالدا ، تريد خرج زيد ضاربا خالدا ، لم يجز.
(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) : قال ابن عطية : هذه الآية في صنف مبالغ في النفاق. واستأذنوا دون اعتذار منهم : عبد الله بن أبيّ ، والجد بن قيس ، ورفاعة بن التابوت ، ومن اتبعهم. فقال بعضهم : ائذن لي ولا تفتني.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٦.