السؤال والجواب على طريقة الاعتزال في المفسدة والمصلحة ، وهذا القول هو ذمّ لهم وتعجيز ، وإلحاق بالنساء والصبيان والزّمنى الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت ، وهم القاعدون والخالفون والخوالف ، ويبينه قوله تعالى : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) (١) والقعود هنا عبارة عن التخلف والتراخي كما قال :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها |
|
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي |
(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) :
لما خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع ، وضرب عبد الله بن أبيّ عسكره أسفل منها ، ولم يكن بأقل العسكرين ، فلما سار تخلف عنه عبد الله فيمن تخلف فنزلت بعرى الله ورسوله إلى قوله : وهم كارهون. وفيكم أي : في جيشكم أو في جملتكم. وقيل : في بمعنى مع. قال ابن عباس : الخبال الفساد ومراعاة إخماد الكلمة. وقال الضحاك : المكر والغدر. وقال ابن عيسى : الاضطراب. وقال الكلبي : الشر ، وقاله : ابن قتيبة. وقيل : إيقاع الاختلاف والأراجيف ، وتقدّم شرح الخبال في آل عمران. وهذا الاستثناء متصل وهو مفرغ ، إذ المفعول الثاني لزاد لم يذكر ، وقد كان في هذه الغزوة منافقون كثير ، ولهم لا شك خبال ، فلو خرج هؤلاء لتألبوا فزاد الخبال. وقال الزمخشري : المستثنى منه غير مذكور ، فالاستثناء من أعم العام الذي هو الشيء ، فكان هو استثناء متصلا لأنّ بعض أعم العام ، كأنه قيل : ما زادوكم شيئا إلا خبالا. وقيل : هو استثناء منقطع ، وهذا قول من قال : إنه لم يكن في عسكر الرسول خبال. فالمعنى : ما زادوكم قوة ولا شدة لكن خبالا. وقرأ ابن أبي عبلة : ما زادوكم بغير واو ، يعني : ما زادكم خروجهم إلا خبالا. والإيضاع الإسراع قال :
أرانا موضعين لأمر غريب |
|
ونسحر بالطعام وبالشراب |
ويقال : وضعت الناقة تضع وضعا ووضوعا قال :
يا ليتني فيها جذع |
|
أخب فيها وأضع |
قال الحسن : معناه لأسرعوا بالنميمة. وقرأ محمد بن القاسم : لأسرعوا بالفرار. ومفعول أوضعوا محذوف تقديره : ولأوضعوا ركائبكم بينكم ، لأن الراكب أسرع من
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٨٧.