نبيا ينذرهم. والمعنى : أنهم أهلكوا باستحقاقهم. وقال مكي : فما كان الله ليضع عقوبته في غير مستحقها ، إذ الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون إذ عصوا الله وكذبوا رسله حتى أسخطوا ربهم واستوجبوا العقوبة ، فظلموا بذلك أنفسهم. وقال الكرماني : ليظلمهم بإهلاكهم ، يظلمون بالكفر والتكذيب. وقال الزمخشري : فما صح منه أن يظلمهم وهو حكيم لا يجوز عليه القبيح ، وأن يعاقبهم بغير جرم ، ولكن ظلموا أنفسهم حيث كفروا به فاستحقوا عقابه انتهى. وذلك على طريقة الاعتزال. ويظهر أن بين قوله بالبينات. وقوله : فما كان كلاما محذوفا تقديره ـ والله أعلم ـ فكذبوا فأهلكهم الله ، فما كان الله ليظلمهم.
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) : لما ذكر المنافقين والمنافقات وما هم عليه من الأوصاف القبيحة والأعمال الفاسدة ، ذكر المؤمنين والمؤمنات وقال في أولئك بعضهم من بعض ، وفي هؤلاء بعضهم أولياء بعض. قال ابن عطية : إذ لا ولاية بين المنافقين ولا شفاعة لهم ، ولا يدعو بعضهم لبعض ، فكان المراد هنا الولاية في الله خاصة. وقال أبو عبد الله الرازي : بعضهم من بعض يدل على أنّ نفاق الاتباع وكفرهم حصل بسبب التقليد لأولئك الأكابر ، وسبب مقتضى الطبيعة والعادة. أما الموافقة الحاصلة بين المؤمنين فإنما حصلت لا بسبب الميل والعادة ، بل بسبب المشاركة في الاستدلال والتوفيق والهداية ، والولاية ضد العداوة. ولما وصف المؤمنين بكون بعضهم أولياء بعض ذكر بعده ما يجري كالتفسير والشرح له ، وهي الخمسة التي يميز بها المؤمن على المنافق. فالمنافق يأمر بالمنكر ، وينهى عن المعروف ولا يقوم إلى الصلاة إلا وهو كسلان ، ويبخل بالزكاة ، ويتخلف بنفسه عن الجهاد ، وإذا أمره الله تثبط وثبط غيره. والمؤمن بضد ذلك كله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، والجهاد. وهو المراد في هذه الآية بقوله : ويطيعون الله ورسوله انتهى ، وفيه بعض تلخيص. وقال أبو العالية : كل ما ذكره الله في القرآن من الأمر بالمعروف فهو دعاء من الشرك إلى الإسلام ، وما ذكر من النهي عن المنكر فهو النهي عن عبادة الأصنام والشياطين. وقال ابن عباس : ويقيمون الصلاة هي الصلوات الخمس. قال ابن عطية : وبحسب هذا تكون الزكاة المفروضة والمدح عندي بالنوافل أبلغ ، إذ من يقيم النوافل أجدي بإقامة الفروض ، ويطيعون الله ورسوله جامع للمندوبات انتهى ، سيرحمهمالله. قال ابن عطية :