(فَإِنْ يَتُوبُوا) هذا إحسان منه تعالى ورفق ولطف بهم ، حيث فتح لهم باب التوبة بعد ارتكاب تلك الجرائم العظيمة. وكان الجلاس بعد حلفه وإنكاره أن قال ما نقل عنه قد اعترف ، وصدق الناقل عنه وتاب وحسنت توبته ، ولم يرد أنّ أحدا قبلت توبته منهم غير الجلاس. قيل : وفي هذا دليل على قبول توبة الزنديق المس الكفر المظهر للإيمان ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي. وقال مالك : لا تقبل فإن جاء تائبا من قبل نفسه قبل أن يعثر عليه قبلت توبته بلا خلاف ، وإن يتولوا أي : عن التوبة ، أو الإيمان ، أو الإخلاص ، أو الرسول. والمعنى : وإن يديموا التولي إذ هم متولون في الدنيا بإلحاقهم بالحربيين إذ أظهروا الكفر ، فيحل قتالهم وقتلهم ، وسبي أولادهم وأزواجهم ، وغنم أموالهم. وقيل : ما يصيبهم عند الموت ومعاينة ملائكة العذاب. وقيل : عذاب القبر. وقيل : التعب والخوف والهجنة عند المؤمنين ، وفي الآخرة بالنار.
(وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ. فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ. فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ. أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) : قال الضحاك : هم نبتل بن الحرث ، وجد بن قيس ، ومعتب بن قشير ، وثعلبة بن حاطب ، وفيهم نزلت الآية. وقال الحسن ومجاهد : في معتب وثعلبة خرجا على ملأ قالا ذلك. وقال ابن السائب : في رجل من بني عمرو بن عوف كان له مال بالشام فأبطأ عنه ، فجهد لذلك جهدا شديدا ، فحلف بالله لئن آتانا من فضله أي من ذلك المال لأصدقن منه ولأصلن ، فآتاه فلم يفعل. والأكثر على أنها نزلت في ثعلبة ، وذكروا له حديثا طويلا وقد لخصت منه : أنه سأل الرسول صلىاللهعليهوسلم أن يدعو الله أن يرزقه مالا فقيل له : قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ، فألح عليه ، فدعا الله ، فاتخذ غنما كثرت حتى ضاقت عنها المدينة ، فنزل واديا وما زالت تنمو ، واشتغل بها حتى ترك الصلوات ، وبعث إليه الرسول صلىاللهعليهوسلم المصدق فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، فنزلت هذه الآية. فأخبره قريب له بها ، فجاء بصدقته إلى الرسول فلم يقبلها ، فلما قبض الرسول أتى أبا بكر فلم يقبلها ، ثم عمر فلم يقبلها ، ثم عثمان فلم يقبلها ، وهلك في أيام عثمان.
وقرأ الأعمش : لنصدقنّ ولنكوننّ بالنون الخفيفة فيهما ، والظاهر والمستفيض من أسباب النزول أنهم نطقوا بذلك ولفظوا به. وقال معبد بن ثابت وفرقة : لم يتلفظوا به ، وإنما