التقرير. وأنه تعالى فاضح المنافقين ، ومعلم المؤمنين أحوالهم التي يكتمونها شيئا فشيئا سرهم ونجواهم. هذا التقسيم عبارة عن إحاطة علم الله بهم. والظاهر أنّ الآية في جميع المنافقين من عاهد وأخلف وغيرهم ، وخصتها فرقة بمن عاهد وأخلف. فقال الزمخشري : ما أسروه من النفاق والعزم على إخلاف ما وعدوه ، وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن في الدين ، وتسمية الصدقة جزية ، وتدبير منعها. وقيل : أشار بسرهم إلى ما يخفونه من النفاق ، وبنجواهم إلى ما يفيضون به بينهم من تنقيص الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وتعييب المؤمنين. وقيل : سرهم ما يسار به بعضهم بعضا ، ونجواهم ما تحدثوا به جهرا بينهم ، وهذه أقوال متقاربة متفقة في المعنى.
(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) : نزلت فيمن عاب المتصدقين. وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم حث على الصدقة ، فتصدّق عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف وأمسك مثلها ، فبارك له الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما أمسك وفيما أعطى. وتصدق عمر بنصف ماله ، وعاصم بن عدي بمائة وسق ، وعثمان بصدقة عظيمة ، وأبو عقيل الأرلشي بصاع تمر ، وترك لعياله صاعا ، وكان آجر نفسه لسقي نخيل بهما ، ورجل بناقة عظيمة قال : هي وذو بطنها صدقة يا رسول الله ، وألقى إلى الرسول خطامها فقال المنافقون : ما تصدق هؤلاء إلا رياء وسمعة ، وما تصدّق أبو عقيل إلا ليذكر مع الأكابر ، أو ليذكر بنفسه فيعطى من الصدقات ، والله غني عن صاعه. وقال بعضهم : تصدق بالناقة وهي خير منه. وكان الرجل أقصر الناس قامة وأشدهم سوادا ، فنظر إليه الرسول صلىاللهعليهوسلم وقال : قل هو خير منك ، ومنها يقولها ثلاثا. وأصل المطوعين المتطوعين ، فأدغمت التاء في الطاء ، وهم المتبركون كعبد الرحمن وغيره. والذين لا يجدون إلا جهدهم هم مندرجون في المطوعين ، ذكروا تشريفا لهم ، حيث ما فاتتهم الصدقة بل تصدقوا بالشيء ، وإن كانوا أشد الناس حاجة إليه ، وأتعبهم في تحصيل ما تصدقوا به كأبي عقيل ، وأبي خيثمة ، وكان قد لمز في التصدق بالقليل ونظر أيهما. وكان أبو علي الفارسي يذهب إلى أنّ المعطوف في هذا وشبهه لم يندرج فيما عطف عليه قال : لأنه لا يسوغ عطف الشيء على مثله. وكذلك كان يقول في وملائكته ورسله وجبريل وميكال ، وفي قوله : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) (١) وإلى هذا كان يذهب تلميذه
__________________
(١) سورة الرحمن : ٥٥ / ٦٨.