قريب من القول الذي قبله. وقال الأصم : أمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يقبل معاذيرهم الكاذبة في الظاهر ، ووبال فعلهم عليهم كما هو ، فكأنه سخر منهم ولهذا قال : ولهم عذاب أليم ، وهو عذاب الآخرة المقيم انتهى. وفي هذه الآية دلالة على أن لمز المؤمن والسخرية منه من الكبائر ، لما يعقبهما من الوعيد.
(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) : سأل عبد الله بن عبد الله بن أبي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان رجلا صالحا أن يستغفر لأبيه في مرضه ففعل ، فنزلت ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «قد رخص لي فأزيد على السبعين» فنزلت سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم. وقيل : لما نزل سخر الله منهم ولهم عذاب أليم ، سألوا الرسول أن يستغفر لهم فنزلت. وعلى هذا فالضمائر عائدة على الذين سبق ذكرهم ، أو على جميع المنافقين قولان. والخطاب بالأمر للرسول ، والظاهر أنّ المراد بهذا الكلام التخيير ، وهو الذي روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد قال له عمر : كيف تستغفروا لعدو الله وقد نهاك الله عن الاستغفار لهم؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «ما نهاني ولكنه خيرني» فكأنه قال له عليهالسلام : إن شئت فاستغفر ، وإن شئت فلا تستغفر ، ثم أعلمه أنه لا يغفر لهم وإن استغفر سبعين مرة. وقيل : لفظه أمر ومعناه الشرط ، بمعنى إن استغفرت أو لم تستغفر لن يغفر الله ، فيكون مثل قوله : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) (١) وبمنزلة قول الشاعر :
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة |
|
لدينا ولا مقلية إن تقلت |
ومر الكلام في هذا في قوله : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) (٢) وإلى هذا المعنى ذهب الطبري وغيره ، وهو اختيار الزمخشري قال : وقد ذكرنا أن هذا الأمر في معنى الخبر كأنه قيل : لن يغفر الله لهم استغفرت أم لم تستغفر ، وإن فيه معنى الشرط ، وذكرنا النكتة في المجيء به على لفظ الأمر انتهى. يعني في تفسير قوله تعالى : (قُلْ أَنْفِقُوا) (٣) وكان قال هناك. (فإن قلت) : كيف أمرهم بالإنفاق ثم قال : لن يتقبل؟ (قلت) : هو أمر في معنى الخبر كقوله : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) (٤) ومعناه : لن يتقبل منكم أنفقتم طوعا أو كرها ، ونحوه قوله : أستغفر لهم أو لا تستغفر لهم ، وقوله :
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٥٣.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٥٣.
(٣) سورة التوبة : ٩ / ٥٣.
(٤) سورة مريم : ١٩ / ٧٥.