جَنَّاتٍ تَجْرِي) ، وهناك ختم : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) وهنا (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). وقرأ عمر بن الخطاب ، والحسن ، وقتادة ، وعيسى الكوفي ، وسلام ، وسعيد بن أبي سعيد ، وطلحة ، ويعقوب ، والأنصار : برفع الراء عطفا على والسابقون ، فيكون الأنصار جميعهم مندرجين في هذا اللفظ. وعلى قراءة الجمهور وهي الجر ، يكونون قسمين : سابق أول ، وغير أول. ويكون المخبر عنهم بالرضا سابقوهم ، والذين اتبعوهم الضمير في القراءتين عائد على المهاجرين والأنصار. والظاهر أن السابقون مبتدأ ورضي الله الخبر ، وجوّزوا في الخبر أن يكون الأولون أي : هم الأولون من المهاجرين. وجوزوا في قوله : والسابقون ، أن يكون معطوفا على قوله : من يؤمن أي : ومنهم السابقون. وجوزوا في والأنصار أن يكون مبتدأ ، وفي قراءة الرفع خبره رضياللهعنهم ، وذلك على وجهين. والسابقون وجه العطف ، ووجه أن لا يكون الخبر رضي الله ، وهذه أعاريب متكلفة لا تناسب إعراب القرآن. وقرأ ابن كثير : من تحتها بإثبات من الجارة ، وهي ثابتة في مصاحف مكة. وباقي السباعة بإسقاطها على ما رسم في مصاحفهم. وعن عمر أنه كان يرى : والذين اتبعوهم بإحسان ، بغير واو صفة للأنصار ، حتى قال له زيد بن ثابت : إنها بالواو فقال : ائتوني بأبيّ فقال : تصديق ذلك في كتاب الله في أول الجمعة (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) (٢) وأوسط الحشر : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) (٣) وآخر الأنفال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ) (٤). وروي أنه سمع رجلا يقرؤه بالواو فقال : من أقرأك؟ فقال : أبيّ فدعاه فقال : أقرأنيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومن ثم قال عمر : لقد كنت أرانا وقعنا وقعة لا يبلغها أحد بعدنا.
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) : لما شرح أحوال منافقي المدينة ، ثم أحوال منافقي الأعراب ، ثم بين أنّ في الأعراب ، من هو مخلص صالح ، ثم بين رؤساء المؤمنين من هم ذكر في هذه الآية أن منافقين حولكم من الإعراب ، وفي المدينة لا تعلمونهم أي : لا تعلمون أعيانهم ، أو لا تعلمونهم منافقين. ومعنى حولكم : حول بلدتكم وهي المدينة. والذين كانوا حول المدينة جهينة ، وأسلم ، وأشجع ، وغفار ، ومزينة ، وعصية ، ولحيان ، وغيرهم ممن جاوز المدينة. ومن أهل المدينة يجوز أن يكون من عطف المفردات ، فيكون معطوفا على من في قوله : وممن ، فيكون المجرور أن
__________________
(١) سورة البقرة : ١٨٢ / ١٩٢.
(٢) سورة الجمعة : ٦٢ / ٣.
(٣) سورة الحشر : ٥٩ / ١٠.
(٤) سورة الأنفال : ٨ / ٧٥.