صالح فتفتح أبواب السماء له وهذا منتزع من قوله (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (١) ومن قوله (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) (٢) ، وقال السدي وغيره : (لا تُفَتَّحُ) لأرواحهم وذكروا في صعود الرّوحين إلى السماء الإذن لروح المؤمن وردّ روح الكافر أحاديث وذلك عند موتهما ، وقيل : المعنى (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) في القيامة ليدخلوا منها إلى الجنة أي لا يؤذن لهم في الصعود إلى السماء ، وقيل : لا تنزل عليهم البركة ولا يغاثون ، وقرأ أبو عمرو (لا تُفَتَّحُ) بتاء التأنيث والتخفيف ، وقرأ الأخوان بالياء والتخفيف ، وقرأ باقي السّبعة بالتاء من أعلى والتشديد. وقرأ أبو حيوة وأبو البر هثيم بالثاء من أعلى مفتوحة والتشديد.
(وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) هذا نفي مغيا بمستحيل والولوج التقحّم في الشيء وذكر الجمل لأنه أعظم الحيوان المزاول للإنسان جثة فلا يلج إلا في باب واسع كما قال ، لقد عظم البعير بغير لبّ ، وقال : جسم الجمال وأحلام العصافير ، وذكر (سَمِّ الْخِياطِ) لأنه يضرب به المثل في ضيق المسلك يقال : أضيق من خرت الإبرة ، وقيل للدليل خريت لاهتدائه في المضايق تشبيها بإخرات الإبرة والمعنى أنّهم لا يدخلون الجنة أبدا ، وقرأ ابن عباس فيما روى عنه شهر بن حوشب ومجاهد وابن يعمر وأبو مجلز والشعبي ومالك بن الشخير وأبو رجاء وأبو رزين وابن محيصن وإبان عن عاصم الجمل بضم الجيم وفتح الميم مشدّدة وفسّر بالقلس الغليظ وهو حبل السفينة تجمع حبال وتفتل وتصير حبلا واحدا ، وقيل : هو الحبل الغليظ من القنب ، وقيل : الحبل الذي يصعد به في النخل ، وروي عن ابن عباس ولعله لا يصحّ أن الله أحسن تشبيها من أن يشبه بالجمل يعني أنه لا يناسب والحبل يناسب الخيط الذي يسلك به في خرم الإبرة.
وعن الكسائي أن الذي روى (الْجَمَلُ) عن ابن عباس كان أعجميا فشدّد الجيم لعجمته ، قال ابن عطية : وهذا ضعيف لكثرة أصحاب ابن عباس على القراءة المذكورة انتهى ، ولكثرة القرّاء بها غير ابن عباس ، وقرأ ابن عباس أيضا في رواية مجاهد وابن جبير وقتادة وسالم الأفطس بضمّ الجيم وفتح الميم مخففة ، وقرأ ابن عباس في رواية عطاء والضحّاك والجحدري بضمّ الجيم والميم مخففة ، وقرأ عكرمة وابن جبير في رواية بضم الجيم وسكون الميم ، وقرأ المتوكّل وأبو الجوزاء بفتح الجيم وسكون الميم ومعناه في هذه القراءات الفلس الغليظ وهو حبل السفينة وقراءة الجمهور (الْجَمَلُ) بفتح الجيم الميم
__________________
(١) سورة فاطر : ٣٥ / ١٠.
(٢) سورة المطففين : ٨٣ / ١٨.