غض بما ألقى المواسي له |
|
من أمّه في الزمن الغابر |
وبمعنى غاب ومنه عبر عنا زمانا أي غاب قاله الزجاج ، وقال أبو عبيدة غبر عمر دهرا طويلا حتى هرم ، المطر معروف ، وقال أبو عبيد يقال في الرّحمة مطر وفي العذاب أمطر وهذا معارض بقوله (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) (١) فإنهم لم يريدوا إلا الرّحمة وكلاهما متعدّ يقال مطرتهم السماء وأمطرتهم ، شعيب اسم نبيّ وسيأتي ذكر نسبه في التفسير إن شاء الله.
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) لما ذكر تعالى الدلائل على كمال إلهيته وقدرته وعلمه من العالم العلوي أتبعهما بالدلائل من العالم السفلي وهي محصورة في آثار العالم العلوي ومنها الرّيح والسحاب والمطر وفي المعدن والنبات والحيوان ويترتب على نزول المطر أحوال النبات وذلك هو المذكور في الآية وانجرّ مع ذلك الدلالة على صحة الحشر والنشر البعث والقيامة وانتظمت هاتان الآيتان محصلتين المبدأ والمعاد وجعل الخبر موصولا في أنّ ربكم الله الذي وفى (وَهُوَ الَّذِي) دلالة على كون ذلك معهودا عند السامع مفروغا من تحقّق النسبة فيه والعلم به ولم يأت التركيب إنّ ربكم خلق ولا وهو يرسل الرياح ، وقرأ الرّياح نشرا جمعين وبضم الشين جمع ناشر على النسب أي ذات نشر من الطي كلابن وتامر وقالوا نازل ونزل وشارف وشرف وهو جمع نادر في فاعل أو نشور من الحياة أو جمع نشور كصبور وصبر وهو جمع مقيس لا جمع نشور بمعنى منشور خلافا لمن أجاز ذلك لأنّ فعولا كركوب بمعنى مركوب لا ينقاس ومع كونه لا ينقاس لا يجمع على فعل الحسن والسلمي وأبو رجاء واختلف عنهم والأعرج وأبو جعفر وشيبة وعيسى بن عمر وأبو يحيى وأبو نوفل الأعرابيان ونافع وأبو عمرو ، وقرأ كذلك جمعا إلا أنهم سكّنوا الشين تخفيفا من الضم كرسل عبد الله وابن عباس وزر وابن وثاب والنخعي وطلحة بن مصرف والأعمش ومسروق وابن عامر ، وقرأ نشرا بفتح النون والشين مسروق فيما حكى عنه أبو الفتح وهو اسم جمع كغيب ونشىء في غائبة وناشئة ، وقرأ ابن كثير الرّيح مفردا نشرا بالنون وضمّها وضمّ الشين فاحتمل نشرا أن يكون جمعا حالا من المفرد لأنه أريد به الجنس كقولهم : العرب هم البيض واحتمل أن يكون مفردا كناقة سرح ، وقرأ حمزة والكسائي نشرا بفتح النون وسكون الشين مصدرا كنشر خلاف طوى أو كنشر بمعنى حيي من قولهم أنشر الله الموتى فنشروا أي حيوا. قال الشاعر :
__________________
(١) سورة الأحقاف : ٤٦ / ٢٤.