أدخله سيبويه في باب ما لا يكون فيه إلا النصب ، وذلك مع انقطاع الاستثناء. وقالت فرقة : يجوز فيه الرفع ، وهذا مع اتصال الاستثناء. وقال المهدوي : والرفع على البدل من قرية ، وقال الزمخشري : وقرىء بالرفع على البدل عن الحرمي والكسائي ، وتقدم الخلاف في قراءة يونس بضم النون وكسرها ، وذكر جواز فتحها.
وقوم يونس : هم أهل نينوي من بلاد الموصل ، كانوا يعبدون الأصنام ، فبعث الله إليهم يونس فأقاموا على تكذيبه سبع سنين ، وتوعدهم العذاب بعد ثلاثة أيام. وقيل : بعد أربعين يوما. وذكر المفسرون قصة قوم يونس وتفاصيل فيها ، وفي كيفية عذابهم الله أعلم بصحة ذلك ، ويوقف على ذلك في كتبهم. وقال الطبري : وذكره عن جماعة أن قوم يونس خصوا من بين الأمم بأن ينب عليهم بعد معاينة العذاب. وقال الزجاج : هؤلاء دنا منهم العذاب ولم يباشرهم كما باشر فرعون ، فكانوا كالمريض الذي يخاف الموت ويرجو العافية ، فأما الذي يباشره العذاب فلا توبة له. وقال ابن الأنباري : علم منهم صدق النيات بخلاف من تقدمهم من الهالكين. قال السدي : إلى حين ، إلى وقت انقضاء آجالهم. وقيل : إلى يوم القيامة ، وروي عن ابن عباس. ولعله لا يصح ، فعلى هذا يكونون باقين أحياء ، وسترهم الله عن الناس.
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) : قيل : نزلت في أبي طالب ، لأنه صلىاللهعليهوسلم أسف بموته على ملة عبد المطلب وكان حريصا على إيمانه. ولما كان أحرص الناس على هدايتهم وأسعى في وصول الخير إليهم والفوز بالإيمان منهم وأكثر اجتهادا في نجاة العالمين من العذاب ، أخبره تعالى أنه خلق أهلا للسعادة وأهلا للشقاوة ، وأنه لو أراد إيمانهم كلهم لفعل ، وأنه لا قدرة لأحد على التصرف في أحد. والمقصود بيان أنّ القدرة القاهرة والمشيئة النافذة ليست إلا له تعالى. وتقديم الاسم في الاستفهام على الفعل يدل على إمكان حصول الفعل ، لكن من غير ذلك الاسم فلله تعالى أن يكره الناس على الإيمان لو شاء ، وليس ذلك لغيره.
وقال الزمخشري ولو شاء ربك مشيئة القسر والإلجاء لآمن من في الأرض كلهم على وجه الإحاطة والشمول جميعا ، مجتمعين على الإيمان ، مطبقين عليه ، لا يختلفون فيه. ألا ترى إلى قوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) يعني إنما يقدر على إكراههم واضطرارهم على الإيمان هؤلاء أنت. وإتلاء الاسم حرف الاستفهام للإعلام بأنّ الإكراه