والعامل فيه نراك أو اتبعك أو أراذلنا أي : وما نراك فيما يظهر لنا من الرأي ، أو في أول رأينا ، أو وما نراك اتبعك أول رأيهم ، أو ظاهر رأيهم. واحتمل هذا الوجه معنيين : أحدهما : أن يريد اتبعك في ظاهر أمرهم ، وعسى أن تكون بواطنهم ليست معك. والمعنى الثاني : أن يريد اتبعوك بأول نظر وبالرأي البادئ دون تعقب ، ولو تثبتوا لم يتبعوك ، وفي هذا الوجه ذم الرأي غير المروي. وقال الزمخشري : اتبعوك أول الرأي ، أو ظاهر الرأي ، وانتصابه على الظرف أصله وقت حدوث أول أمرهم ، أو وقت حدوث ظاهر رأيهم ، فحذف ذلك ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، أرادوا أنّ اتباعهم لك إنما هو شيء عنّ لهم بديهة من غير روية ونظر انتهى. وكونه منصوبا على الظرف هو قول أبيّ على في الحجة ، وإنما حمله على الظرف وليس بزمان ولا مكان ، لأنّ في مقدرة فيه أي : في ظاهر الأمر ، أو في أول الأمر. وعلى هذين التقديرين أعني أن يكون العامل فيه نراك ، أو اتبعك يقتضي أن لا يجوز ذلك ، لأنّ ما بعد إلا لا يكون معمولا لما قبلها إلا إن كان مستثنى منه نحو : قام إلا زيدا القوم ، أو مستثنى نحو : جاء القوم إلا زيدا ، أو تابعا للمستثنى منه نحو : ما جاءني أحد إلا زيد أخبرني عمرو ، وبادىء الرأي ليس واحدا من هذه الثلاثة. وأجيب بأنه ظرف ، أو كالظرف مثل جهد رأي أنك ذاهب ، أي أنك ذاهب في جهد رأي ، والظروف يتسع فيها. وإذا كان العامل أراذلنا فمعناه الذين هم أراذلنا بأدل نظر فيهم ، وببادئ الرأي يعلم ذلك منهم. وقيل : بادي الرأي نعت لقوله : بشرا. وقيل : انتصب حالا من ضمير نوح في اتبعك ، أي : وأنت مكشوف الرأي لا حصافة لك. وقيل : انتصب على النداء لنوح أي : يا بادي الرأي ، أي ما في نفسك من الرأي ظاهر لكل أحد ، قالوا : ذلك تعجيزا له. وقيل : انتصب على المصدر ، وجاء الظرف والمصدر على فاعل ، وليس بالقياس. فالرأي هنا إما من رؤية العين ، وإما من الفكر. قال الزمخشري : وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية ، لأنهم كانوا جهالا ما كانوا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا ، فكان الأشرف عندهم من له جاه ومال انتهى. وظاهر الخطاب في لكم شامل لنوح ومن اتبعه ، والمعنى : ليس لكم علينا زيادة في مال ، ولا نسب ، ولا دين. وقال ابن عباس : في الخلق والخلق ، وقيل : بكثرة الملك والملك ، وقيل : بمتابعتكم نوحا ومخالفتكم لنا ، وقيل : من شرف يؤهلكم للنبوّة ، وقال الكلبي : نظنكم نتيقنكم ، وقال مقاتل : نحسبكم أي في دعوى نوح وتصديقكم ، وقال صاحب العتيان : بل نظنكم كاذبين توسلا إلى الرئاسة والشهرة.
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ