عنهم ، لما رأى من إصرارهم وتماديهم على الكفر. وقيل : معنى يغويكم يهلككم ، والغوى المرض والهلاك. وفي لغة طيء : أصبح فلان غاويا أي مريضا ، والغوى بضم الفصيل وقاله : يعقوب في الإصلاح. وقيل : فقده اللبن حتى يموت جوعا قاله : الفراء ، وحكاه الطبري يقال منه : غوى يغوي. وحكى الزهراوي أنه الذي قطع عنه اللبن حتى كاد يهلك ، أو لما يهلك بعد. قال ابن الأنباري : وكون معنى يغويكم يهلككم قول مرغوب عنه ، وأنكر مكي أن يكون الغوى بمعنى الهلاك موجودا في لسان العرب ، وهو مججوج بنقل الفراء وغيره. وإذا كان معنى يغويكم يهلككم ، فلا حجة فيه لا لمعتزلي ولا لسني ، بل الحجة من غير هذا ، ومعناه : أنكم إذا كنتم من التصميم على الكفر فالمنزلة التي لا تنفعكم نصائح الله ومواعظه وسائر ألطافه ، كيف ينفعكم نصحي؟ وفي قوله : هو ربكم ، تنبيه على المعرفة بالخالق ، وأنه الناظر في مصالحكم ، إن شاء أن يغويكم ، وإن شاء أن يهديكم. وفي قوله : وإليه ترجعون ، وعيد وتخويف.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) : قيل : هذه الآية اعترضت في قصة نوح ، والإخبار فيها عن قريش. يقولون ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أي : افترى القرآن ، وافترى هذا الحديث عن نوح وقومه ، ولو صح ذلك بسند صحيح لوقف عنده ، ولكن الظاهر أن الضمير في يقولون عائد على قوم نوح ، أي : بل أيقولون افترى ما أخبرهم به من دين الله وعقاب من أعرض عنه ، فقال عليهالسلام قل : إن افتريته فعليّ إثم إجرامي ، والإجرام مصدر أجرم ، ويقال : أجر وهو الكثير ، وجرم بمعنى. ومنه قول الشاعر :
طريد عشيرة ورهين ذنب |
|
بما جرمت يدي وجنى لساني |
وقرىء أجرامي بفتح الهمزة جمع جرم ، ذكره النحاس ، وفسر بآثامي. ومعنى مما تجرمون من إجرامكم في إسناد الافتراء إليّ ، وقيل : مما تجرمون من الكفر والتكذيب.
(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) : قرأ الجمهور وأوحي مبنيا للمفعول ، أنه بفتح الهمزة. وقرأ أبو البرهسم : وأوحى مبنيا للفاعل ، إنه بكسر الهمزة على إضمار القول على مذهب البصريين ، وعلى إجراء أوحى مجرى قال : على مذهب الكوفيين ، أيأسه الله من إيمانهم ، وأنه صار كالمستحيل عقلا بأخباره تعالى