على انتصار منه ، ولا تقابلون فعله بشيء يضره انتهى. وهذا فعل منفي ومدلوله نكرة ، فينتفي جميع وجوه الضرر ، ولا يتعين واحد منها. ومعنى حفيظ رقيب محيط بالأشياء علما لا يخفى عليه أعمالكم ، ولا يغفل عن مؤاخذتكم ، وهو يحفظني مما تكيدونني به.
(وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ. وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) : الأمر واحد الأمور ، فيكون كناية عن العذاب ، أو عن القضاء بهلاكهم. أو مصدر أمر أي أمرنا للريح أو لخزنتها. والذين آمنوا معه قيل : كانوا أربعة آلاف ، وقيل : ثلاثة آلاف. والظاهر تعلق برحمة منا بقوله : نجينا أي ، نجيناهم بمجرد رحمة من الله لحقتهم ، لا بأعمالهم الصالحة. أو كنى بالرحمة عن أعمالهم الصالحة ، إذ توفيقهم لها إنما هو بسبب رحمته تعالى إياهم. ويحتمل أن يكون متعلقا بآمنوا أي : أنّ إيمانهم بالله وبتصديق رسوله إنما هو برحمة الله تعالى إياهم ، إذ وفقهم لذلك. وتكررت التنجية على سبيل التوكيد ، ولقلق من لو لا صقت منا فأعيدت التنجية وهي الأولى ، أو تكون هذه التنجية هي من عذاب الآخرة ولا عذاب أغلظ منه ، فأعيدت لأجل اختلاف متعلقيها.
وقال الزمخشري : (فإن قلت) : فما معنى تكرير التنجية؟ (قلت) : ذكر أولا أنه حين أهلك عدوهم نجاهم ثم قال : ونجيناهم من عذاب غليظ على معنى ، وكانت التنجية من عذاب غليظ قال : وذلك أن الله عز وعلا بعث عليهم السموم ، فكانت تدخل في أنوفهم وتخرج من أدبارهم وتقطعهم عضوا عضوا انتهى ، وهذا قاله الزجاج. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يريد ، وكانت النجاة المتقدمة من عذاب غليظ يريد الريح ، فيكون المقصود على هذا تعديد النعمة ، والمشهور في عذابهم بالريح أنها كانت تحملهم وتهدم مساكنهم وتنسفها ، وتحمل الظعينة (١) كما هي ، ونحو هذا. وتلك عاد إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) فانظروا إليها واعتبروا ، ثم استأنف الإخبار عنهم فقال : جحدوا بآيات ربهم أي : أنكروها. وأضاف الآيات إلى ربهم تنبيها على أنه مالكهم ومربيهم ، فأنكروا آياته ، والواجب إقرارهم بها. وأصل جحد أن يتعدى بنفسه ، لكنه أجرى مجرى كفر فعدى بالباء ، كما عدى كفر بنفسه في قوله : ألا إن عادا كفروا ربهم ، إجراء له مجرى
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٢.